التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
١٦٩
-آل عمران

تيسير التفسير

{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ } من شهداء أحد وكذا مثلهم { أَمْوَأتاً } نزلت فى شهداء بدر وأحد، وإن تأخرت الآية عن أحد ففيهما، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كل من يصلح له،أو لمن قالوا: لو أطاعونا، ورجحوا أنها نزلت فى شهداء أحد، وأما شهداء بدر فنزل فيهم: { { ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله.. } [البقرة: 154] الآية، لما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم بأرواحهم فى أجواف طير خضر فى قناديل ذهب، معلقة تحت العرش، قالوا: من يبلغ عنا إخواننا أننا أحياء فى الجنة ليرغبوا فى الجهاد، فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم فأنزل، { ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا }، قال جابر بن عبد الله: قتل أبى قى أحد عن بنات وديون، فقال صلى الله عليه وسلم بعدما رأى أنكسارى وأخبرته، أَحياه الله، وقال: يا عبد الله، سلنى ما شئت: فقال: أعدنى للدنيا فأقتل فيها ثانيا فقال: يا عبدى، قضيت ألا أعيد إلى الدنيا من مات، وكلم الله الشهداء من وراء حجاب، أى بواسطة الملائكة، وكلم أباك كفاحا، أى خلق الله له كلاما حيث شاء فسمعه، قال: فمن يبلغ ما أنا فيه من الكرامة، قال: أنا، فأنزل الآية، وروى ابن إسحق عن أنس أنها فى أهل بئر معونة رضى الله عنهم، وأنه أنزل الله عز وجل فيهم قرآنا يتلى، أبلغوا عنا قومنا، أنا قد لقينا ربنا فرضى عنا، ورضينا عنه، ثم نسخ { بَلْ أَحْيَآءٌ } هم أحياء { عِندَ رَبِّهِمْ } لا أموات عنده، أى حيوا عنده، أو ثابتون عنده، أو ذوو زلفى عنده، فالقرب قرب تكريم، أو يتعلق بقوله { يُرْزِقُونَ } من ثمار الجنة ولحمها وسائر طعامها، كما يرزقون منها ذلك إذا بعثوا ودخلوها، وكما يعذب الكفار قبل يوم القيامة وبعد البعث يعرضون عليها غدوَّا وعشيَّا، أغرقوا فأدخلوها ناراً، أو تعجيل الرحمة لأهلها أحق من تعجيل العذاب لأهله، فليس كما قيل يرزقون إذا دخلوها يوم القيامة، بل من الآن، فقيل: تتنعم أرواحهم فى أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتسرح فى الجنة حيث شاءت، وتأوى إلى قناديل من ذهب تحت العرش، جاء الحديث بذلك، فقد يفسر به فقط ما ذكر فى الآية، وإذا جاء يوم البعث ردت إلى نفس أجسادها فى الدنيا، بأن يجمع نفس ما تلف من الأجساد، وهكذا شأن البعث، ولا تقل بجسد غير هذا فتزِلَّ، ثم إنه قد يصل الجسد نفسه إلى داخل الجنة فتكون فيه الروح، وقد يوصل إليه الخير من الجنة إلى قبره وهو حى وماتفتت، فالتنعم بالروح فقط، ولو كان المراد بالحياة مطلق السعادة كما يقال فلان حى ولو مات، وفى الجاهل ميت ولو حى، كما قيل، أو لقرب وقت البعث والجنة، أو تحققهما، لم يقل يرزقون فهذا مناف للآية والأحاديث ودعوى أن يرزقون وما بعده ترشيح تكلف لو ادعاها مدَّع، والجملة خبر آخر مع أحياء، أو نعت لأحياء، أو حال من ضمير أحياء، أو من الضمير فى عند إذا جعلنا عند متعلقا بمحذوف خبر، أو حال، أو نعت.