التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ
١٨٧
-آل عمران

تيسير التفسير

{ وَإذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ } أى ما عهد إليهم فى التوراة { الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } أى العلماء { لَتُبَيِّنَنَّهُ } أى الكتاب، أى أحكام الكتاب وأخباره، وهو التوراة والإنجيل، فالهاء للكتاب فى قوله أوتوا الكتاب، لا للنبى صلى الله عليه وسلم، لأن رد الضمير إلى مذكور بلا تكلف ولا ضعف أولى، ولأن التبيين والكتم والنبذ وراء الظهر، واشتراء الثمن أنسب بالكتاب، ولو قبلت التأويل مع الرد إليه صلى الله عليه وسلم { لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } تأكيد لما قبله، ذلك حكاية للخطاب الواقع فى وقت أخذ الميثاق، وفى أخذ الميثاق معنى القول، فالمعنى، قال لهم لتبيننه للناس ولا تكتمونه، كقوله تعالى: { { وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله } [البقرة: 83]، { { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة } [آل عمران: 81]، ويجوز أن التبيين لألفاظ الكتاب بأن تقرأ وتشهر، وفيها الدلالة على رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والكتمان لمعانيه بأن لا تفسر لجاهلها، أو تحرف بالتأويل، أو بزيادة تفسدها أو التبيين للمعنى والكتم للألفاظ { فَنَبَذُوهُ } أى الميثاق والكتاب { وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } شبه ترك العمل بالميثاق أوالكتاب بإلقاء الشىء وراء الظهر احتقارا له، والواجب عليهم جعلها نصب عيونهم { وَاشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } استبدلوا به الثمن القليل استبدال بائع ما باعه بثمن قليل، تركوه وأخذوا بدله مالا حقيراً، وجاهاً حقيراً، فكلاهما ثمن قليل، والتنكير للتحقير، فإنه ولو عظم لكنه حقير قليل بالنسبة إلى ما تركوه من الدين، ومن ثواب الآخرة إذ كتموهما لما يأخذونه من السفلة برياسة العلم، ويلتحق بهم من كتم أحكام القرآن، أو فسره بما ليس معنى له اتباعا لهواه من هذه الأمة، بل هو أولى بالذم فهو من مفهوم الأولى، لأن القرآن أفضل الكتب قال صلى الله عليه وسلم "من كتم علماً عن أهله ألجمه الله بلجام من نار" ، وعن على: ما أخذ الله على الجاهل أن يتعلم حتى أخذ على العالم أن يعلم، قال أبو هريرة: لولا ما أخذ الله على أهل اكتاب ما حدثتكم، وقرأ ابوية، وقال الحسن: لولا الميثاق الذى أخذ الله تعالى على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه، وكان قتادة يقول: طوبى لعالم ناطق ولمستمع واع، هذا علم علما فنشره، وهذا سمع خيراً فعل به، قال الحسن بن عمارة قلت للزهرى، حدثنى بعد أن ترك الحديث، فقال: ألم تعلم أنى تركت الحديث؟ فقلت إما أن تحدثنى أو أحدثك؛ فقال حدثنى، فقلت: حدثنى ابن عيينة عن نجم الخراز، سمعت على بن أبى طالب يقول: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا، فحدثنى الزهرى أربعين حديثا { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } بئس الثمن الذى يشترونه إذ أوردهم النار أو بئس شراؤهم، والمخصوص محذوف أى هذا.