التفاسير

< >
عرض

قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
٨٤
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٨٥
-آل عمران

تيسير التفسير

{ قُلْ } يا محمد لهم ولسائر المشركين { ءَامَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا } أفرد الضمير فى قل، لأن الخطاب فيه، لتبليغ الوحى، وهو المبلغ، وجمع بعد باعتباره واعتبار المبلغ إليهم، وهم المؤمنون، فآمنا عبارة عن نفسه وعن الأمة تغليباً، وذلك إخبار لا إنشاء، أو تعظيما لنفسه، إذ جمع خصالا متفرقة فى غيره، قال هنا علينا، والبقرة إلينا، لأن الخطاب هنا للنبى صلى الله عليه وسلم وهو المنزل عليه أولا وبالذات، فقال: علينا اعتباراً لجانب ابتدائه، وفى البقرة إلينا لجانب انتهائه، فكان بإلى، وأيضاً المنزل عليه منزل عليهم بواسطته، وأيضاً النسوب إلى واحد من الجمع قد ينسب إليهم، وأيضا هم متعبدون به، والصحف نزلت على إبراهيم لكنهم متعبدون بتفاصيلها، كما أن القرآن منزل إلينا، وقدم ما نزل عليه على ما نزل على إبراهيم ومن بعده، مع أنهم قبله لأنه المعرف له، والمبين والمفصل والشاهد على أممهم بتصديقه وتكذيبه، والناسخ لما نسخ، ولفضل ما نزل عليه { وَمَآ أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ } من الصحف { وَإسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ } أولاده الأثنى عشر { وَمَآ أُوتِىَ موسَى } من التوراة والصحف والمعجزات كالعصا { وَعِيسَى } من الإنجيل والمعجزات كإبراء الأكْمه { وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ } خص هؤلاء بالذكر لأن أهل الكتاب معترفون بنبوتهم وكتبهم، ثم عم النبيين، ولا نعرف كتابا أنزل على إسماعيل وإسحاق ويعقوب، والجواب أنه ما نزل على إبراهيم كأنه أُنزل عليهم، كما نسب النزول إلينا وإلى الأسباط، وإنما الإنزال على الأنبياء، وذكر الإيتاء فى موسى وعيسى ليشمل معجزاتهما مع كتبهما { لاَ نُفرِّقُ بَيْنَ أَ؛َدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } مخلصون فى العبادة منقادون، لا كإيمان أهل الكتاب ببعض وكفر ببعض، وتثليث وإلحاد بالولادة وغيرها، فالآية تعريض بهم ولم يذكر ما أنزل على آدم وشيث وإدريس لأن اللوم والتوبيخ للمشركين وأهل الكتاب وهم لا يدعون تلك الصحق إيمانا وعملا، ولذا لم يذكرهما أيضا فى البقرة، وذلك أمر له صلى الله عليه وسلم، أن يؤمن بالأنبياء وكتبهم كما أمروا ليؤمنوا به وبكتابه، وارتد اثنا عشر رجلا من العرب عن الإسلام، وخرجوا من المدينة إلى مكة، منهم الحارث بن سويد الأنصارى، إلا أنه تاب، ونزل فى ذلك قوله تعالى:
{ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلاَمِ } أى غير الانقياد لله والتوحيد، كاليهودية والنصرانية وعبادة الأصنام والنجوم والقمرين والاستواء على المعقول والتجسيم { دِيناً } تمييز لإبهام الغيرية،أو بدل من غير، أو مفعول به، فيكون غير حالا من دينا على هذا { فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } فعبادته كلا عبادة،، لا ثواب عليها، وعليه العقاب الدائم الذى لا يشبهه عقاب { وَهُوَ فِى الأَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ } كالذين لا رأس مال لهم ولا فائدة، فإنهم أضاعوا ما جبلوا عليه من الإسلام،
"كل مولود يولد على الفطرة" ، وأضاعوا أجنتهم وأزواجهم وقصورهم فى الجنة، حرموا الثواب، وعوقبوا بالنار الدائمة، وفى متعلقة بمحذوف، أى خاسر فى الآخرة من جملة الخاسرين، وخاسر خبر. ومن الخاسرين خبر ثان، ولم أعلقه بخاسرين لأن أل موصولة، فمعمول صلتها لا يتقدم إلا فى قول بعض إنه يجوز فى الفواصل ما يجوز فى الشعر، ووجه آخره أنه يتوسع فى الطروف، ووجه آخر هو أنه نقول أل حرف تعريف، وكذا تفعل فى مثل ذلك، كقوله تعالى: { { وكانوا فيه من الزاهدين } [يوسف: 20]، والمراد بالإسلام فى الآية التوحيد وفعل الواجبات وترك المحرم، فذلك هو الدين في الآية، ويطلق الإيمان على التوحيد والفعل والترك المذكورين، وقد يطلق على التوحيد، وقد يطلق على الفعل والترك، وكذلك الإسلام يطلق على هذه الإطلاقات، وقد استدل بالآية على أن الإيمان هو الإسلام، إذ لو كان غيره لم يقبل، وأجيب بأن قوله لن يقبل منه ينفى قبول كل دين يباين دين الإسلام والإيمان وإن كان غير الإسلام لكنه دين لا يباين الإسلام بل هو بحسب الذات وإن كان غيره بحسب المفهوم، ولا يقبل توحيد بلا عمل وتقوى، ولا هما بلا توحيد.