التفاسير

< >
عرض

وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ
٣٩
-الروم

تيسير التفسير

{ وما آتيتُم مِن ربا } مقابلة المضعفون، مثل قوله تعالى: " { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } " [البقرة: 276] فهى تشعر بتحريم الربا مثل هذه الآية: " { يمحق الله } " [البقرة: 276] الخ وبه قال الحسن والسدى، كما روى عنه انها نزلت فى ثقيف، وكانوا يربون، وكذا كانت قريش، وعن ابن عباس: ان المراد العطية التي يراد بها مزيد المكافأة، وهو ربا لغوى، وهو الزيادة حقيقة، لغوية مجاز شرعى، سميت لانها سبب للزيادة، او لانها فضل لا يجب على المعطى، وعن ابن عباس: نزلت فى قوم يعطون قرابتهم واخوانهم ليكونوا ذوى مال لا لله، او ليكونوا ذوى مال يعود نفعا اليهم، ومن للبيان فى ذلك كله.
{ ليربُوا في أموال النَّاس } مناسب بظاهره للتفسير الاخير، اى لتوقعوا الزيادة فى اموال الناس، فيكونوا ذوى مال كثير، واولى من هذا ان المعنى لتوقعوا الزيادة لانفسكم فى مال الناس بما يعطونكم زيادة على ما اعطيتموهم، والمراد لتربوه فى اموال الناس، والهمزة للتعدية، او المراد لتزويد واموال الناس كقولهم: يخرج فى عراقيبها: نصلى، بمعنى سيجرح عراقيبها نصلى، او للصيرورة اى لتصيروا ذوى ربا فى اموال الناس.
{ فلا يرْبُوا عند الله } لا يبارك فيه اذا لم يتقربوا به الى الله سبحانه، ولو لم يكن على جهة الربا الشرعى بان تعطيه ليكافئك بأزيد مما اعطيته، او ليكون ذا مال كما مر، او الاية فى تحريم الربا، فيكون هذا مثل قوله تعالى:
" { يمحق الله الربا ويُربي الصدقات } " [البقرة: 276] لا ثواب لك ولا له اذا اعيته ليزيدك مكافأة لا على طريق الربا الشرعى، ولا ذنب فى ذلك عليك ولا عليه، ولا يحل ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: " { ولا تمنن تستكثر } " [المدثر: 6] { وما آتيْتُم مِن زكاة تُريدُون وَجْه الله } حال من التاء، والرابط الواو، او من ما على انها شرطية مفعول لآتيتم، او من رابط الموصول على انها موصولة، اى وما آتيتموه، فالرابط محذوف، اى تريدون به، والزكاة الصدقة غير الواجبة فى المدينة، او صدقة وجبت فى مكة مخصوصة، نسخت بالواجبة فى المدينة، كما قيل به فى قوله تعالى: " { وآت ذا القربى حقه } " [الإسراء: 26] كما قيل: إن حق ذى القربى صلة الرحم بأنواعها، والحق المعتبر فى المسكين وابن السبيل احدى هاتين الزكاتين، لكن يلزم عليه استعمال الامر، وهو آت فى الندب والوجوب، فيجاب بأن اعطاء القرابة واجب، هكذا بلا حد.
{ فأولئك هُم المضعفون } اسم فاعل اضعف بهمزة الصيرورة، اى صاروا ذوى ضعف، اى يضاعف لهم ثواب ما اعطوه، كأقوى، صار ذا قوة، وأيسر، صار ذا يسر، او بهمزة التعدية اى صيروا ثوابهم كثيرا، ويدل له قراءة ابى بفتح العين، ومقتضى الظاهر يرب او يرب عند الله ليقابل قوله: { فلا يربوا عند الله } ولكن عبر بذلك ليثبت لهم المضاعفة التى هى ابلغ من الزيادة، وللتأكيد بالجملة الاسمية، وبضمير الفصل، وبالحصر واشارة البعد لعلو المرتبة، وبذكر ما اعطاهم الله فى الجواب من الاضعاف دون ما انفقوا، وبطريق الالتفات عن خطابهم الى الغيبة بصرف الكلام الى الملائكة، وخواص الخلق، وان اريد باولئك هؤلاء وغيرهم ممن يماثلهم فى الاعطاء لوجه الله، اى فمؤتوه بضم التاء اسم فاعل لا يفتحها اسم مفعول اولئك هم المضعفون، فلا التفات وما تقدم اولى.
واعلم ان الصحيح ان لا يلزم اعادة الضمير من فعل الشرط الى اسم الشرط لفظا اوتقديرا، اى وما آتيتموه من زكاة، وان الصحيح ان خبر اسم الشرط جوابه لا جملة الشرط، ولو قيل: من الصحيح عكس ذلك كله، الا ترى ان ايا مفعول مقدم فى قوله تعالى:
" { أياً ما تدعوا } " [الإسراء: 110] كان مفعولا مقدما فليس مبتدأ، والا ترى انك تقول بمن تمرر: امرر به، وليست من مبتدأ، بل مجرورة بحرف غير زائدة، فما فى الموضعين ان جعلت شرطية مفعول مقدم لما بعدها، ولا يلزم جعلها مبتدأ.