التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ
١٣
فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٤
-السجدة

تيسير التفسير

{ ولو شئنا لآتينا كل نفْس هداها } فى الدنيا فلا يكفى احد، والجملة عطف قصة على اخرى، او على محذوف، اى قضينا ذلك، ولو شئنا الخ وقدر بعضهم قولا هكذا، وقلنا: لو شئنا او هكذا، ونقول: لو شئنا، وعطفه على يقولون قدره قبل قوله: " { ربنا أبصرنا } " [السجدة: 12] وجعله جوابا لقولهم: ارجعنا، ولذا احره، ويفيد انهم لو رجعوا لعادوا لما نهوا عنه، وانهم ممن لم يشأ الله هداهم، ومعنى هداها ما تهتدى به الى الايمان، والعمل الصالح، وفسره بعض بهما.
{ ولكنْ حَقَّ القَول منِّي لأملأنَّ جَهَنَّم من الجنَّة والنَّاس أجمْعَين } سبق قضائى الازلى بلا اول ان يكون المطيع والعاصى، اذا خلقت المكلفين، وان المطيع فى الجنة، والعاصى فى النار، وسبق قولى لابليس:
" { فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } " [ص: 84 - 85] جوابا لقوله لعنه الله: " { لأغوينهم أجمعين إلاَّ عبادك منهم المخلصين } " [ص: 82 - 83] وقدم الجنة لتقدمهم خلقه، ولتقدم ابليس اعاذنا الله منه فى قوله: " { منك وممن تبعك } "[ص: 85] ولأن الجنَّة أكثر من الناس فى النار، وقدم في منك وممن تبعك تحقيراً له، وتغليظاً لانه السبب فى هلاك غيره، ولم يقل حق القول منا بالجمع، كما قال: { ولو شئنا } لان قوله: { ولكن حق القول مني } بالافراد رد لقول اللعين: "لأغوينهم" الخ بإفراد الضمير، او قال ولو شئنا ليطابق الكثرة فى قوله: { كل نفس } وقال: { مني } ليوافق ما دون تلك الكثرة الدال عليه من الجنة والناس، او قال: منى فى وعيد المشركين، لئلا يتوهم نوع من انواع الشركة اصلا، وليوافق التوحيد الذى عدلوا عنه الى ما اوجب لهم الوعيد، ووحد الضمير ايضا فى: { لأملان } لان الملء لا تعدد فيه، وكذا فى منى، لان القول لا يحق الا منه.
والايتاء يتعدد بتعدد من يؤتى الهدى، ومعنى اجمعين انه يجعل فى جهنم نصيبا من الجنة، ونصيبا من الناس لا من الجنة وحدهم، او من الناس وحدهم، ولم يقل كليهما، بدل اجمعين لان الاصل فى كلا ان تقع على فردين لا نوعين، فالآية كقولك: ملأت الكيس من الدنانير والدراهم جميعا، او المراد بالجنة والناس الاشقياء خصوصا، ومن بمعنى الباء، او للابتداء، ولا يلزم من الابتداء بقاء الشئ الا ترى الى قوله:
" { لأملان جهنم منك وممن تبعك } " [ص: 85] فالآية مثل هذه، وكأنه قيل: لأملان جهنم بالاشقياء اجمعين من الجن والانس، وفرع على نفى الرجع الى الدنيا المعلوم مما مر أو على قوله: { ولكن حق القول مني } بقوله:
{ فذوقوا } اى العذاب، وقدر بعض اذا أيستم من الرجع، او اذا حق القول فذوقوا، والامر تهديد { بما نَسيتُم لقاء يومكم هذا } اى بسبب نسيانكم لقاء يومكم هذا، ولفظ هذا بدل يوم او عطف بيان او نعت جئ به تهويلا، وهو واقع على اليوم، ولك ان تجعله مفعولا به لذوقوا، واقعا على العذاب، فلا يقدر العذاب له كما قدرته آنفا، وما تقدم اولى، ونسيانهم لقاء اليوم ترك الاستعداد له عمدا لأنكارهم له.
{ إنَّا نسيناكم } تركناكم فى العذاب، على انه يقال لهم ذلك بعد دخول جهنم، وان كان قبلها فالعذاب يعم ما هم فيه قبلها، لا يزول عنهم، بل يزداد بدخول جهنم، فهم متروكون فى العذاب المطلق، او اردنا ترككم فى جهنم اذا دخلتموها، او تركنا فى الوعيد لا نخلفه عنكم، وفيه المشاكلة لما قبله، لان كلا من النسيانين ترك، ويجوز ان يكون الاول الزوال من الحافظة مجازا، تركوا الاستعداد للقاء، كأنهم اعترفوا ثم نسوه، نزلوا الاستعداد له كالشئ المنسى، والمشاكلة يجوز وقوعها بين المجاز والحقيقة، مع انه يجوز ان يكون الثانى كذلك مجازا لا حقيقة.
{ وذُوقُوا عذابَ الخُلد بما كُنتم تعمْلُون } تكرار للأول للتأكيد، ولبيان ما لم يذكر فى الاول وهو العذاب، وانه دائم، ولبيان أنهم يستحقون العذاب بما كانوا يعملون من المعاصى، كما استحقوها بترك التوحيد، على ان نسيان لقاء اليوم هو ترك التوحيد، او انكار البعث، والظاهر ان المراد بنسيان اللقاء هو ما كانوا يعملون، فلا يزيد الثانى الا بذكر عذاب الخلد.