التفاسير

< >
عرض

أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ
٣
-السجدة

تيسير التفسير

{ أم يقُولُون افتراهُ } إضراب ابطالى متعلق بقوله: " { لا ريب فيه } " [السجدة: 2] فانهم اثبتوا الريب فى الكتاب وقالوا: انه ليس من الله، ونفى الله عز وجل ان يكون اهلاً للريب، اى لا ريب فى كونه منزلا من رب العالمين { بل هو الحقُّ من ربِّك } عجز البلغاء عن الايتان بسورة منه { لتُنْذر قوماً }يتعلق بمحذوف، اى انزله لتنذر، او بما يتعلق به من رب، وهو استقرار الخبر او الحال، او بتنزيل على جواز الاخبار عن المصدر قبل تمام معموله للتوسع فى الظروف، على ان تنزيل مبتدأ باق على المصدرية، اى لتنذر عقابا على تعدية لاثنين كقوله: وهو الرحمن الرحيم فأنذرتكم نارا، او يقدر لتنذر بالعقاب والقوم قريش.
{ ما أتاهم مِن } صلة فى الفاعل { نذيرٍ من قبلك } والجملة نعت قوما، والنذير الرسول لا مطلق المنذر، كالعالم، ولو غير رسول، لان قريشا لا تخلو من منذر منهم او من غيرهم، واما الرسول فلا رسول منهم متصديا اليهم قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا متعبدين بشرائع من قبله، ولم يهتدوا، وقصروا فى البحث عما تعبدهم الله به، وعلى ان موسى وعيسى لم يرسلا الى الناس كلهم، يكونون متعبدين شريعة ابراهيم واسماعيل، وقد قيل: لم يزالوا عليها الى ان فشت عبادة الاصنام التى احدثها عمرو الخزاعى لعنه الله، ولم يبق فيهم الا اقل قليل، فدخلوا فى قوله تعالى:
" { وإنْ من أمة إلاَّ خلا فيها نذير } " [فاطر: 24] اى منهم او من غيرهم، وانقطع الانذار كما تقرر عنهم، ان حكم نبوة كل نبى ينقطع الا نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم.
قلت: تنقطع ايضا عند قرب الساعة، حتى لا يوجد من يقول لا اله الا الله، والذى يظهر انه لا تنقطع دعوة نبى، بل لا بد من بقاء منذر ولو قليلا فى اهل الفترات، وقد روى ان زيد بن عمرو بن نفيل من بنى عدى من قريش، والد سعيد، اجتمع بالنبى صلى الله عليه وسلم قبل نبوته وآمن بنبوته قبل مجيئها، لعلم بها حصل له، او كان على دين ابراهيم، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات قبل النبوة بخمس سنين، وقريش تبنى الكعبة، قالت اسماء بنت ابى بكر: لقد رايت زيد بن عمرو بن نفيل مسندا ظهره الى الكعبة يقول: يا معشر قريش، والذى نفسى بيده ما اصبح منكم احد على دين ابراهيم غيرى، وكان يقول: اللهم انى لو أعلم احب الوجوه اليك عبدتك به، ولكنى لا اعلم، ثم يسجد على راحلته، وكان يعيب على قريش ذبحهم لغير الله تعالى، ولم يأكل مما ذبحوا لغير الله.
قال ابنه سعيد: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ان ابى كان كما رأيت وكما بلغت أفأستغفر له؟ قال:
"نعم فإنه يبعث أمة وحده" اى انفراد فى عصره بالايمان، وليس نبيا كما زعم بعض، ويشكل على انه يبعث امة وحده بقس بن ساعدة الايادى، ولعله باعتبار انفراده فى قومه، أو قال صلى الله عليه وسلم ذلك قبل أن يعلم بقس، فانه مؤمن بالله، داع الى دينه، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات قبل البعثة وعمره ثلاثمائة وثمانون سنة، وقيل ستمائة والله أعلم بالحقيقة.
ولا اشكال اذا اريد بقريش من كان منهم حين بعث الله عليه وسلم، وقريس هم ولد النضر، وقيل: ولد قصى: وقيل: ولد فهر، وقيل: القوم فى الآية العرب قريش غيرهم، لم يخوا من نذير ولو اسرائيليا، ولم يتقدم منهم نبى، وخالد بن سنان العبسى ليس نبيا عند الاكثر، وما يروى من انه صلى الله عليه وسلم قال لابنته عجوزا
"مرحباً بابنة نبي ضيعه قومه" فيه مقال، وقيل: القوم فى الآية اهل الفترة العرب وغيرهم، حتى بنوا اسرائيل اى ما أتاهم نذير بعد ضلالهم رسول، ويجوز كون نذير بمعنى انذار، ويبعد ان تكون ما واقعة على العقاب مفعولا ثانيا لتنذر، اى لتنذر قوما عقابا اتاهم من نذير من قبلك، او لتنذر قوما العقاب الى اتاهم من نذير، ومن غير زائدة، بل للابتداء متعلقة بأتى.
{ لعلْهم يهْتدون } ليهتدوا بانذارك، او حال كونك راجيا لاهتدائهم.