التفاسير

< >
عرض

أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
١٩
-الأحزاب

تيسير التفسير

{ أشحةً } جمع شحيح فصيح استعمالا شاذ قياسا، لان قياس جمع فعيل الوصف المضاف كخليل، افعلاء مثل اخلاء، وسمع ايضا اشحاء على القياس حال من واو يأتون، اى تركوا الاتيان اشحة، قاله الزجاج، وفيه ان عامله لا النافية، والمعنى صحيح، لكن مقتضى كون صاحب الحال الواو وان يكون عامله يأتى لانه العامل فى الواو، فيتغير المعنى لان المعنى حينئذ اتيانهم اشحة منتف، فلعله حال من محذوف مثبت، اى يأتون اشحة او من أل فى القائافى، او من ضميره فى قائلين، وعليه لا يضر الفصل باجزاء الصلة.
{ عليْكم } اى عنكم بالخير كله كالنفقة والنصرة والغنيمة، والنفع بأبدانهم، وكل منفعة لا يحبون للمؤمنين نفعا ما، وهذا هو المناسب لحالهم من حب الشر للمؤمنين، وقيل هذا حب خير للمؤمنين من غلبة وبقاء، لانهم لو كانوا مغلوبين لم يجدوا من يمنع الاحزاب عنهم، فيقتلون او تؤخذ اموالهم وهو المناسب، لقوله تعالى: { أشحة على الخير } ولان تعدية الشح بعلى، انما هو فى حب بقاء الشئ، وفى الوجه الاول، وعليه الجمهور فسرتها بعن { فاذا جاء الخَوف } من العدو { رأيتهُم ينْظرُون إليك تَدور أعينهُم } اى احداقها من شدة الخوف، والجملة حال من واو ينظرون { كالَّذى يغْشَى عليْه مِن المَوتِ } لاجل الموت او بسببه، اى ينظرون ثابتا كنظر الذى، او تدرور اعينهم دورانا ثابتا كدوران الذى او حال من اعينهم، كعين الذى، او هذا النظر تملق اذا رأوا نجاة المؤمنين، او امارة النصر، او رأوهم غالبين لا كما قيل نظر خيانة، لعلهم يجدون مضربا.
{ فإذا ذَهَب الخوفُ سلقُوكم بألْسِنةٍ } آذوكم ببسط ألسنتهم فى الذم وما دونه، كقولهم: اعطونا من الغنيمة فلستم بأحق بها منا، والطعن فى الدين قيل: أصل السلق بسط العضو الى احد بالقهر، { حِدادٍ } شداد فى الشر كالسيوف الحديدة، ويحتمل انه شبه ألسنتهم بالسيوف على الاستعارة المكنية، بل الاستعارة على تناسى التشبيه، ورمز اليها بلازمها وهى الحدة، ولازمها الآخر وهو السلق، على انه بمعنى الصرب، فهما اواثباتهما استعارتان تخييليتان، ويقال ايضا السلق البلاغة فى الخطبة، وجهر الصوت فهم يفعلون ذلك بالسوء جرأة قال صلى الله عليه وسلم:
"ليس منا من سلق او حلق" اى من رفع صوته جزعا من المصيبة، او حلق ما لا يحلق.
{ أشحةً عَلى الخَير } كله كما مر مستبقين له لأنفسهم، فهم يطلبون من الغنيمة، ويمسكون اموالهم لا ينفقونها فى سبيل الله، او على بمعنى عن أبى يبخلون عن الخير ولا ينفعون الاسلام او اهله شئ، على انه قد يقال لا تختص على فى الشح بالاستبقاء، ولا بأس بالتكرار تأكيدا، ولاسيما انه تجدد العامل هنا، وهو سلق وأشحة حال من فاعله، وفرق بعض بأن اشحة هنالك فى معاونة المؤمنين، والنصر والانفاق فى سبيل الله تعالى، وما هنا فى مال الغنيمة، وبعض بأن ما هنالك تحبب الى المؤمنين واستبقاء لهم، وما هنا جرأة عليهم بالسلق اذ ذهب ما يتخوفونه، وبعض بأن ما هنالك شح منهم عن المؤمنين، وما هنا شح عن كل احد.
{ أولئك لم يؤمنوا } من قلوبهم بل ألسنتهم فقط { فأحْبطَ الله أعمالهُم } حين عملوها لشركهم حين عملوا كما دلت عليه الفاء فانها سببية، والمراد لم يقبلها من اول مرة، وليس المراد انها صحت ثم أبطلت، كما يتبادر من الاحباط، فذلك تشبيه او اطلاق للمفيد على المطلق، ولكن المراد بطلانها من اول، قيل المعنى اظهر بطلانها، والاعمال العبادات المأمور بها، وان فسر بما علموه نفاقا وتصنعا، وليس عبادة فى قصدهم، فاحباطه عدم النفع به فى الدينا، ولاحظ لهم فى الاخرة، وقيل: الاعمال عبادة الله، والاحباط على ظاهره، وانها نزلت فى مؤمن مخلص شهد بدرا، ونافق بعد، ويرد هذا بقوله لم يؤمنوا، وبصيغة الجمع، ويجاب بانه لم يؤمن من نافق، وانه قد يكون معه فى ذلك اثنان او اكثر، ويبحث بان الاشارة الى عموم المنافقين المذكورين قبل: ويجاب بجواز الاشارة الى العموم لخصوص من فعل ذلك منهم.
{ وكان ذَلك } الاحباط { عَلى الله يَسيراً } هينا لا يبالى به، ولا يخاف منه، اوكان ذلك الشح عن المؤمنين سهلا عند الله عز وجل، لانه ينصر المؤمنين ويغنيهم بغيرهم، ولا يكون سبباً لخذلانهم.