التفاسير

< >
عرض

مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً
٢٣
-الأحزاب

تيسير التفسير

{ من المُؤمنينَ } مطلقا لا الذين ذكر الله محاسنهم خاصة، ونص بعض اصحابنا على انه لا يقال حكى الله عن غيره بل ذكره الله { رجالٌ صَدقُوا ما عاهدوا الله عليْه } من الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقاتلة للاعداء، وقيل: من الطاعات مطلقا، فيدخل الثبات المذكور بالاولى، قال انس: غاب عمى انس بن النضر عن بدر، فشق ذلك عليه، فقال: اول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، لئن أرانى الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ليرين الله تعالى ما أصنع، فشهد يوم احد، فاستقبله سعد بن معاذ بن معاذ رضى الله عنه فقال: يا ابا عمرو اين قال: واها لريح الجنة اجدها دون احد فقاتل حتى قتل، فوجد فى جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية، وفيه وفى اصحابه نزلت الآية، وهو فى الولاية للشهرة، بانه صحابى لم يذكر عنه ما يختلف فيه، ولانه كل من عرفه عرفه بخير، ومن جهله جهله بالكلية، ولا سيما انه مات قبل الفتنة.
والذى اقول به: من توقف من الصحابة فى شأن فتنتهم لا يبرأ منه، بل يتولى لانه وقف من حيث انه لم يدرك الحق، وليسوا يرجعون الى الوقوف اذا زل امام هم تحته، اذ لا وجه لرجوع المتولى لذاته بزلة امامه، وانما يرجع اليه من تولى تبعا له، وكان قبل فى الوقوف، وأيضا نص صلى الله عليه وسلم على ولايتهم، فهى ولاية دائمة حتى يصدر منهم موجب البراءة، لم يزل امامهم او زل، وقيل: المراد بالاية اهل العقبة السبعون، وقيل: بنو حارثة، وما مفعول به جعل ما عاهدوا عليه كشخص معاهد على الاستعارة المكنية، ورمز الى ذلك باثبات المصدوقية الذى هو تخييل، وعلى الاسناد المجازى، يقال صدقنى اى خبرنى بصدق، او يقدر صدقوا الله فيما عاهدوا الله عليه، او صدقوا فيما عاهدوا الخ، ولم يكذبوا فيه.
{ فَمنهُم مَنْ قَضَى نَحْبه } ادى نذره اى فعله ووفى به، شبه النذر بالموت لجامع وجوب الوقوع، اى لزومه فى الذمة، وذلك استعارة تصريحية، والقرنية حالية، وقضى ترشيح، وقد شهر قضى نحبه فى معنى مات، او قضاء النحب مستعار، قال صلى الله عليه وسلم:
"طلحة ممن قضى نحبه" رواه قومنا، وجعلوه طلحة الذى عاش بعده صلى الله عليه وسلم، وخلط وفسروا قضى النحب بالوفاء بالوعد، لاخصوص الموت، وقالوا ثبت يوم احد، حتى قطعت يده، كما فسر مجاهد قضاء النحب بالوفاء بالعهد، ان يجاهد ولا يقر.
{ ومنُهُم مَن ينتَظر } اى ينتظر ان يموت على الوفاء بما عاهد عليه من الخير، وقد علم الله انه يموت عليه، فصدق عليه قوله عز وجل: { رجال صدقوا } او ينتظر حربا يجتهد فيها ويخلص، وعلم الله تعالى انه سيفعل فصدق عليه رجال صدقوا، وقيل المراد بالصدق مطابقة ما فى ألسنتهم لقلوبهم، والمراد يصدقون فعبر بالماضى للتحقق.
{ وما بدَّلُوا } عهدكم كما بدل المنافقون، والواو للقاضين، والمنتظرين، واجيز عوده للمنتظرين خاصة، لان حالهم هى المحتاجة الى بيان انها صحت او لم تصح { تَبْديلاً } الجملة معطوفة على صدقوا، ووجه التأكيد بتبديلا رجوعه الى النفى، اى انتفى التبديل انتفاء بليغا، وان شئت فالتوكيد تعريض بمن بدل تبديلا عظيما، وهم هؤلاء المنافقون، ولا مفهوم بان هؤلاء الصادقين بدلوا بعض تبديل.