التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً
٢٨
-الأحزاب

تيسير التفسير

{ يا أيُّها النَّبي قل لأزواجكَ إن كُنتنَّ تردْن الحياة الدنيا } توسيع التنعم فيها { وزينَتها } من الحلى والحلل وسائر الزخارف، عطف خاص على عام { فتعالَيْن } اقبلن الى بقلوبكن، كما تقول: أقبل يخاصمنى، ذهب يكلمنى، قام يأمر وينهى، وجاء يقول، ولم ترد حقيقة القيام، واصل تعال عالج الصعود الى موضع عال او بالغ فيه { أُمَتِّعْكُنَّ } مجزوم فى جواب فعل الامر، وتعالين جواب إن، او امتع جوابها، وفتعالين اعترض مقرون بالفاء كقوله:

واعلم فعل المرء ينفعه أن سوف يأتى كل ما قدره

وعندى انه لا تثبت، واو الاعتراض ولا فاء الاعتراض لان الاعتراض ليس معنى يوضع له حرف، وما اوهم ثبوتهما فإنه يأول بانهما للعطف، ولو قبل تمام المعطوف عليه، كقولك ان قام ويقعدا اخواك، فان يقعدا ليس معطوفا على قام، بل على قام اخواك، او يأول الواو بواو الحال او بالعطف على محذوف مجرد من عاطف، او تأول الفاء بأنها فى جواب شرط، او بانها عاطفة على محذوف مجرد من واو او فاء او عاطف، وكذلك تثبت واو الاستئناف، لان الاستئناف ليس معنى يوضع له الحرف، وان أبيت الا العناد فقد اطلعت بعد قولى بذلك، على ان ابن هشام قال: ان الاستفتاح ليس معنى، ومعنى ألا الاستفتاحية التأكيد والتنبيه، ومعنى لام الابتداء التأكيد، ومعنى من الابتدائية ان الفعل مبدؤه كذا من زمان او مكان، والتمتيع واجب عندنا وعند ابى حنيفة للتى طلقت قبل المس، ولم يعرض لها، ومستحب للمحسوسة، والتى فرض لها، وعن سعيد بن جبير: المتعة واجبة لكل مطلقة الا المفتدية والملاعنة، وهى درع وملحفة وخمار، والبسط فى الفروع كشرح النيل.
{ وأسَرحكنَّ سَراحاً } تسريحا { جَميلاً } شرعيا لا ضرر فيه ولا بدعة، وهو الطلاق الذى هو كذلك، وبلا خصام والتسريح سبب للتمتع، فالاصل تقديمه، ولكن قدم التمتيع ايناسا لهن، وجبرا لانكسارهن، وقطعا لعذرهن من اول الامر، لمناسبة ما قبله من الدنيا، ولانه لو قدم التسريح لكان كالانتقام، فلا يخلو الاختيار عن شائبة الاكراه، كما انه وصف التسريح بالجميل للابعاد عن تلك الشائبة، ولا يتبادل ان ارادة الدنيا كالطلاق، فيكون قد قدم الطلاق على التمتيع.
ولما فتح الله عز وجل وهو الفاتح العليم قريظة والنضير، ظنت نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم انه اختص بنفائس اليهود وذخائرها، فقعدن حوله وقلن: يا رسول الله بنات كسرى وقيصر فى الحلى والحلل والاماء والخول، ونحن ما نراه من الضيق والفاقه، وظنن انه يعاملهن معاملة الملوك، وتألم بذلك وسكت، ودخل الصديق وعمر، فقال: اكلم بما يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله لو رأيت ابنة زوجى سألتنى النفقة آنفا فوجأت عنقها، فضحك النبى صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجده فقال:
"هن حولي يسألني النفقة" فقام ليضرب بنته حفصة، وقام الصديق ليضرب بنته عائشة، فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضربهما، وقالا: كيف تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟ فحلفن بالله لا يسألنه بعد هذا المجلس ابدأ ما ليس عنده.
وبدأ بعائشة وقال:
"إني أذكرك أمراً فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك فقرأ لها الآية" فقالت: اختار الله ورسوله، ولا أستأمر احداً، وفرح صلى الله عليه وسلم بذلك، وقد خاف ان لا تفعل وقالت: اكتم على، فقال: "لا إنما بعثت مبلغاً لا يسألني أحداً إلا بلغته" ، فتتابعن على ذلك، فجازلهن الله تعالى بان لا يتزوج عليهن، وهن تسع خمسة من قريش: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة بنت أبى سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت امية، وأربع من غيرهن: صفية بنت حيى الخيبرية وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية الا العامرية الحميرية الكلابية فاطمة بنت الضحاك بن سفيان اختارت نفسها وقومها فابتليت بالفقر، وذهاب العقل وصارت كالمجنونة، فكانت تلتقط البعر وتبيعه، وتستأذن على نساء النبى صلى الله عليه وسلم وتقول: أنا الشقية اخترت نفسى.
وهذا التخيير بعد ان هجرهن تسعة وعشرين يوما، ولا ينافى هذا ما روى انه اقسم لا يدخل عليهن شهرا، لانه دخل على عائشة بعد تسعة وعشرين يوما، فقالت رضى الله عنها: يا رسول الله اقسمت على شهر وهذه تسعة وعشرون اعدهن، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى آله:
"الشهر تسعة وعشرون" وذلك فى صحيح مسلم، عن الزهرى، عن عروة، عن عائشة.