التفاسير

< >
عرض

ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٦
-الأحزاب

تيسير التفسير

{ النَّبي أولى } احق { بالمؤمنين } من الصحابة ومن بعدهم ومن قبلهم من الامم من الاناث والذكور { من أنفسهم } يطعمونه او يسقونه ويموتون جوعا او عطشا، ويعدونه بهلاك نفوسهم، وينصرونه بما يلحقهم به ضر، وقبل نصر انفسهم لانه يدعوهم الى ما هو حق من الله عز وجل، وصلاح لهم دنيا واخرى، وأجسادهم فيها نفوس تأمرهم بالسوء، وما يهلكهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والاخرة اقرءوا إن شئتم { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } فأيما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا أو إن ترك دينا أو ضياعا أي عيالاً فليأتي فأنا مولاه" وخص العصبة بالذكر لانه لو ورثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لورثه بالتعصب.
روى انه صلى الله عليه وسلم امر بالخروج الى تبوك فقال اناس: نستأذن آباءنا وامهاتنا، فنزلت الآية، وقد دخل آباءهم وأمهاتهم فى المؤمنين وفى انفسهم، ولا دليل ولا تبادر على ان المراد بالانفس النبى كما قيل انه المراد، وان المعنى انه احق بهم اكثر مما هو احق بنفسه { وأزواجُه أمهاتهم } كأمهاتهم فى تحريم النكاح، وفى استحقاق التعظيم لا فى الخلوة بهن، والنظر اليهن، وأرثهن ونحو ذلك، فهن كالاجنبيات، فلا يقال لأخواتهن خالات المؤمنين، ولا لأخوالهن اخوال المؤمنين الاصح.
وزعم بعض انه يجوز النظر اليهن بلا شهوة، ولا يصح ما يروى عن جابر بن زيد انه خلا بعائشة رضى الله عنها، او لم يخل بها، وانه سألها حاشاها وحاشاه، عن كل ما بدا له، حتى سألها عن كيفية جماع النبى صلى الله عليه وسلم، كيف يجسر على ذلك، وكيف ترضى له هذا السؤال ولم تنهره عنه، وكيف تجيبه مع نهيه صلى الله عليه وسلم عن ان يصف الرجل او المرأة ما فعل احدهما مع الاخر فى الجماع، وان قيل: سألها عن جماعه هكذا لا بقيد انه معها فجسارة ايضا حاشاه عنها: مع ان ما تخبر به اما عنها فهو ما تقدم، واما مع غيرها فانها لا تراه مع غيرها ولا يخبرانها، وان قيل عن الجماع ما اوصى به فلم يثبت انه اوصى بكيفية. وان اوصى فذلك منه رضى الله عنه جسارة حاشاه عنها، وقد روى مثل ذلك واعظم عن غير جابر ابن زيد فى كتب قومنا، وليس منه ان الصحابة اختلفوا، هل يجب الغسل بالوطء بلا انزال فسألوها؟ فقالت: فعل ذلك بى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقمنا واغتسلنا معا بلا انزال، لان هذا امر سهل، لانه تبليغ شرع ولا بيان كيفية، فهو واجب.
وعل كل حال لم تجبه ببيان ما يفعل معها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله ما اجابته ان شاء الله تعالى، ولو قال لها ما السنة؟ واخبرته بدون ان تقول فعلته معه لجاز مع كراهة لان بيان ذلك قد يحصل من امراة سألها فتجيبها، بان السنة كذا، فتخبر الامرأة جابرا مثلا.
وروى ان امراة قالت لها: يا اماه، فقالت: انا ام الرجال لا النساء، رواه الطبرانى، وغيره قلت: لعل مرادها انا ام الرجال فى تحريم تزوجها، والمرأة لا تتزوج اخرى فهى امهن ايضا فى التعظيم، ويدل له ما روى عن ام سلمة رضى الله عنها قالت: انا ام الرجال منكم والنساء، وحكم الاية جار على من طلقها، وقيل لا كالتى ارادها، فقالت: اعوذ بالله منك، ولم تقصد سوءاً، ولكن غرها احد بان تقول ذلك فطلقها، وكالتى رأى فى كشحها برصا وطلقها، وقيل لا تجرى الآية الا على المدخول بها، تزوج الاشعث تلك المستعيذة، فهم عمر برجمهما فقالا: انه لم يدخل صلى الله عليه وسلم بها، وقالت ايضا: ما سميت اما اذ لم يدخل فتركها.
واختلف فيمن اختارت نفسها قلت: الظاهر انه لا احترام لها لتركها اياه، ولو على القول بتحريم تزوجها، وزعم الشيعة انه صلى الله عليه وسلم امر عليا ان يطلق من شاء منهن بعد موته، وانه طلق عائشة يوم الجمل، وذلك كذب عليه صلى الله عليه وسلم، وعن على: ويجوز نكاح ازواج الانبياء قبله، وعن مجاهد كل نبى اب لامته لانه سبب الحياة الابدية، كما قال لوط فى نساء امته:
" { هؤلاء بناتي } " [هود: 78، الحجر: 71] فى احد اوجه القراءة: وفى مصحف ابى: { وأزواجه امهاتهم } وهو اب لهم، وعن عكرمة فى النسخة الاولى: (وازواجه امهاتهم وهو ابوهم) ويلزم من الابوة اخوة المؤمنين والمؤمنات.
{ وأولوا الأرحام } أصحاب الارحام { بعضُهُم أولى ببعْضٍ } فى النفع مطلقا، وفى الارث على الترتيب، فالعصبة تقدم وهم من ذوى الارحام، اى القرابة وبعدهم ذوو الارحام الذين ليسوا عصبة، كالخالة وبنت البنت { في كتاب الله } بأولى، او حال من الضمير فى اولى، وكتاب الله اللوح المحفوظ، او قضاءه سبحانه، ومن لم يورث نحو الخال اذا لم يكن فارض او عاصب، قال: كتاب الله القرآن، والمراد آيات الارث فى سورة النساء { من المُؤمنين والمهاجرين } بيان لأولى الارحام، وفيه مجئ الحال من المبتدأ، ومن تفضيلية متعلقة بأولى، وهذا أولى، وكان التوارث بالهجرة والموالاة فى المدينة، ونسخ بآخر الانفال او بهذه الآية.
{ إلا أنْ تفَعَلُوا إلى أوليائكم } عدى بالى لتضمن معنى الايصال { معْروفاً } الا فعلكم الى اوليائكم معروفا، والاستثناء منقطع، والاولياء القرابة الذين لا يرثون: والمعروف ما يعطون فى الحياة، وما يوصى اليهم لما بعد الموت، وما قبل الا فى الارث والذين يرثون، فيجوز الايصاء لمشرك قريب او اجنبى، ولمن لم يهاجر، ولمن تبناه، فلهم ذلك بالايصاء لا بالارث، وقيل الاولياء من يلونه بقرابة او صحبة ممن ليس بوارث، لجواز الوصية للمشرك، او الاعطاء له فى الحياة، وذلك لا ينافى النهى عن اتخاذ الكفار اولياء، وشمل ذلك من ليس بوارث من المؤمنين، والمهاجرين والانصار.
وعن مجاهد: المراد من والى بينهم النبى صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والانصار، وقيل: المراد اليهود والنصارى، وقيل: القرابة من المشركين، واجازت الامامية الوصية للمشرك ان كان أبا او اما او ولدا، ويجوز ان يكون الاستثناء متصلا، والمستثنى منه محذوف، لجواز حذفه ولو فى غير التفريغ نحو:
" { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } "[البقرة: 143] الا ان اعتبر فى الكبر معنى الامتناع، فيكون التفريغ والتقدير اولو الارحام اولى بالارث، وكل نفع فى الحياة الا فعل الخير بالوصية، فيختص بغير الوارث.
{ كان ذلك } ما ذكر من دعائهم الى آبائهم، وأولوية النبى صلى الله عليه وسلم من انفسهم او ما يستحق من اول السورة الى هنا { في الكتاب } اللوح المحفوظ، او القضاء او التوراة { مسطورا } مثبتا بالاسطار، او مكتوبا فى الاسطار، اى فى مواضع معتبرة بالامتداد والتعدد، والتتابع يكتب فيها ويناسبها قراءة بعض، كان ذلك عند الله مكتوبا ان لا يرث المشرك المؤمن.