التفاسير

< >
عرض

رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً
٦٨
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً
٦٩
-الأحزاب

تيسير التفسير

{ ربنَّا آتِهِم ضِعْفين من العَذَاب } عذابين من جملة العذاب، عذابا لضلالهم، وعذابا لاضلالهم لنا، وضعف الشىء اثنان مثله دون أن يضما إليه، فذلك اثنان لا ثلاثة، لأن كلا منهما ضعف الآخر أى مطابقه { والعَنْهُم } اذْمُمهم واشتمهم { لَعْنا كبيراً } وكرر النداء بالدعاء زيادة فى المبالغة بالخضوع، حيث لا ينفع.
{ يا أيُّها الَّذين آمنُوا } إيمانا ضعيفا، أو آمنوا بألسنتهم فكانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يكن { لا تكُونُوا كالَّذين آذوْا مُوسَى فَبرأه الله ممَّا قالُوا } أى قالوه، ومن العجيب أنهم يذكرون جواز جعل ما مصدرية ويأولون المصدرى بالمفعول مع أن ذلك المفعول هو نفس الموصول الاسمى، فليبق ما على ظاهرها من الموصولية الاسمية، ويقدر لها رابط، وإنما يصار الى المصدرية حيث يكون حذف الرابط على خلاف القياس، نحو: أجبنى ما مررت، اى ما مررت به. فيعدل الى المصدرية بلا تقدير رابط، أى مرورك أو نحو ذلك من المواقع.
وذلك أنهم آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تزوجه بزينب بنت جحش، وهو برىء مما يعدونه سوءا فى تزوجه بها، لأنها كانت زوج ابنه زيد، وفى زيد، كما أن موسى عليه السلام أوذى بما لم يكن، فبرأه الله، أى أظهر براءته، وإنما فسرت برأ باظهر براءته، لأن ما عيب به ليس فيه ثم أزاله الله، وقيل برأه الله بمعنى قطع ما قالوه عنه، بأن نفاه فلما نفاه علموا أنه لم يكن قط، ولا إشكال فى هذا ولا بحث كان حييا يستر بدنه فقال بنو اسرائيل: ما حافظ على الستر إلا لكونه أبرص، أو لانتفاخ بيضته أو لآفة، وكانوا يغتسلون عراة ينظر بعض بعضا، فوضع ثوبه على حجر ليغتسل وحده، فاغتسل فمر به الحجر فاتبعه يقول ثوبى حجر وهو عريان حتى رأوه سالماً عن البرص والآفات، فقالوا: والله ما بموسى من بأس فأخذ ثوبه فلبسه، فطفق يضرب الحجر، رواه البخارى والترمذى وأحمد، عن أبى هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو هريرة: والله إن بالحجر ندبا ستة أو سبعة من ضرب موسى الحجر، والندب بفتحتين على الأصح، وقيل بالسكون أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد شبه أثر الضرب فى الحجر كما مر، ويروى ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، والمعنى دع ثوبى يا حجر، وأخرج الطبرى والحاكم، عن ابن عباس، عن على موقوفا: أنه صعد الجبل مع هارون فمات فقالوا: قتلته حسدا لأنه أشد حبا لنا وألين، فأمر الله الملائكة فحملوه فمروا به على بنى اسرائيل يقولون: مات بلا قتل فدفنوه وأخفى الله قبره، ولم يعرفه إلا الرخم، فأصمها الله وأبكمها كذا يقال.
وعن ابن عباس وغيره: أوحى الله الى موسى أنى متوف هارون فأت به جبل كذا، فانطلقا نحو الجبل، فاذا هما بشجرة وبيت فيه سرير عليه فرش وريح طيب، فقال: يا موسى إنى أحب أن أنام على هذا السرير، قال: نم، قال: نم معى، فمات فرفع على السرير الى السماء، وذهبت الشجرة، فقالوا: قتله حسداً، قال كيف أقتل أخى، ولما أكثروا القول صلى ركعتين ثم دعا الله عز وجل، فنزل على السرير حتى رأوه فى الهواء فصدقوه.
وروى أن قارون أرشى زانية بمال عظيم أن ترميه بنفسها فأخبرتهم، ويبعد هذا القول بصيغة الجمع، إلا أن يقال إنه لرضا قارون وأتباعه، وقيل: رموه بالجنون والسحر، وقيل المراد قولهم:
" { اذهب أنت وربك } " [المائدة: 24] وقولهم: " { لن نصبر على طعام واحد } "[البقرة: 61] وقولهم: " { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } "[البقرة: 55] وغير ذلك مما يتأذى به، ولا مانع من حمل الآية على ذلك كله.
{ وكان عنْدَ الله وجيهاً } ذا منزلة، ورفعة قدر، وقبول مستجاب الدعاء كليم الله.