التفاسير

< >
عرض

فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
١٩
-سبأ

تيسير التفسير

{ فقالوا ربَّنا باعد بَيْن أسْفارنا } بلسان الحال لكفرهم النعمة الموجب للانتقام، أو بلسان المقال، وقالوا كل لا كلية لأن القائل الأقوياء القادرون لا كلهم، لينالوا ما لا يناله الضعفاء مما يجلب من البلاد البعيدة، مما يشتهى، فيفتخرون بذلك على الضعفاء الذين لا يقدرون على ركون بالمفازات، وذلك كاختيار الإسرائيليين الفوم والعدس والبصل، على المنّ والسلوى، فأخرب الله عز وجل ما بينهم وبين القرى المباركة، حتى لا داعى ولا مجيب، وذلك بطر للنعم، ومعنى الآية أجعل البعد بين أجزاء أسفارنا.
{ وظلمُوا أنفُسَهم } بتعريضها للعذاب، والمراد أبدانهم لأنها تتألم بواسطة نفس الحياة، أو المراد أنفس الحياة، أعنى الروح، فان السكران لا يتألم، أو كلاهما وهكذا تقول حيث أمكن القول { فجعلناهم أحاديث } جعلنا أحوالهم أحاديث، أو جعلناهم بأنفسهم أحاديث مبالغة، والمفرد أحدوثة بضم الهمزة، وهى الحديث العجيب لعظمه أو غرابته، أو أفنيناهم كلهم ولم يبق إلا التحدث العجيب عنهم { ومزّقناهم كلَّ مُمَّزق } كل تمزيق، فالنصب على المفعولية المطلقة، أو كل موضع تمزق من مواضعهم، فالنصب على الظرفية، وذلك بالنقل الى أماكن بعيدة كما، مر بعد أن كانوا يقتبسون النار بعض من بعض مسيرة أربعة أشهر.
وقيل: لحق غسان بالشام، وأنمار بالمدينة، وجذام وخزاعة بتهامة، والأزد بعمان، وقضاعة بمكة، وأسد بالبحرين، وقيل: خزاعة بالأراك من بطن مر، والأوس والخزرع بطيبة، بأن قدم إليها جد الأوس والخزرج، وهو عمرو بن عامر، وآل جفنة بالشام، وآل جذيمة الأبرش بالعراق، وذلك بعد إرسال السيل العرم، وقيل، وقيل: قبله بأن علموا بأنه يخرب، ويجمع بأن بعضا قبل وبعضا بعد، والمعنى قضينا التمزق عليهم، وذلك أنهم تفرقوا باختيار، إذ خرب السيل السد، أو المراد بالتمزيق أخراب السد الذى هو السبب فى التفرق، وأول من خرج منهم عمرو بن عامر مزيقيا، لاخبار زوجه الكاهنة بالتخريب.
{ إنَّ في ذلك } ما ذكر من قصتهم { لآيات } عظاما { لكلَّ صبَّار } على مشاق الطاعة والمصائب، وعن المعاصى كبطر النعمة { شَكُور } على النعم، وفى ذلك آيات لكل آحد، ولكن خص هؤلاء لأنهم المنتفعون أو لكل من يتأهل للصبر والشكر، وهم المكلفون.