التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ
٢٣
-سبأ

تيسير التفسير

{ ولا تَنْفع الشفاعة عنْدهُ } شفاعة آلهتهم، أى لا شفاعة لهم لأحد، فضلا عن أن تنفع أحدا منكم أو من غيركم:

على لاحب لايهتدى بمناره

أى لا منار فيه فضلا عن أن يهتدى به، ولم يذكر الضر لدخوله بأن ازالته نفع، فذكر الشفاعة كاف، لأنه موضوع للإزالة، ولو ذكر لكان كالتكرار، ولم يقع ولا تقع الشفاعة تصريحا بنفى ما هو غرضهم منها وهو النفع { إلا لمَن أذِنَ } الله { لـه } استثناء منقطع، كما علمت أن المراد بما قبله أن آلهتهم لا تشفع لهم ولا لغيرهم، وإن قلنا: المعنى لا تنفع الشفاعة عن شىء ما، لشىء ما، إلا لمن أذن له كان مفرغا، وهو متصل، ومن واقعة على المشفوع له، واللام الأولى للاستحقاق، والثانية للتعليل، أو بمعنى فى أى إلا لمن أذن الله فيه بها، ولا تقع من على الشافع، أى للشافع الذى أذن الله له، فالهاء للشافع إلا باعتبار أن قبول شفاعة الشافع نفع له، والمتبادر كما لا يخفى أن النفع للمشفوع له، وزعم بعض أن اللام الأولى للتعليل، وعلى كل حال لا تقع الشفاعة للمشركين، لأنه لا يؤذن لمن يشفع لهم، والشافع الملائكة والأنبياء والأولياء.
{ حتى إذا فُزِّع عَن قُلوبِهِم } أزيل الفزع عنها، فان من معا التفعيل السلب، كقردت البعير، أى أزلت قراده، كما بسطته فى شرح لامية ابن مالك، وحتى للابتداء، ولا تخلو عن غاية أى يبقى أهل القيامة على انتظار أن يكون شافع ومشفوع له، وقبول الشفاعة متحيرين، حتى اذا فزع عن قلوبهم { قالُوا } قال بعض وهم المشفوع لهم، لبعض وهم الشافعون، أو قال المشفوع لهم بعض لبعض، أو ضمير قلوبهم للمشفوع لهم، فكذا ضمير قالوا { ماذا قال ربُّكم قالُوا الحَقَّ } قالوا قال الحق فى الدنيا على ألسنة الرسل، يقول الكفار المشفوع لهم ذلك إقرارا، أو يقوله الشافعون المحقون.
ومعنى كون الكفار مشفوعا لهم أنهم طلبوا الشفاعة، وكون أهل الحق شافعين أنه طلب منهم أن يكونوا شافعين { وهُو العَلى الكَبيرُ } من كلام المؤمنين الشافعين، الذين يشفعون لسائر المؤمنين، حمدوا الله بهذه الجملة بعد الإذن لهم فى الشفاعة، بأنه الغاية فى العظمة، لا كلام لأحد إلا باذنه، وزعم بعض أن ضمير قلوبهم للملائكة، وخص الشفاعة بهم، وجعل ضمير قالوا الأول لهم أيضا، والثانى للملائكة الذين فوقهم، وهم الذين يبلغون ذلك إليهم، وفزعهم لهول المقام، أو لخوف التقصير فى تعيين المشفوع لهم، على انه جاءهم الاذن فى الشفاعة اجمالا، وفيه أنه لا يتبادر ذلك من الآية، وأن الملائكة الذين فوقهم أحق بالشفاعة، اللهم إلا أن يقال: قدموا لأنهم الذين يلون أمر بنى آدم في الدنيا.
وعن قتادة، ومقاتل، وابن السائب أنه نزل جبريل، أى النزول الأول على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فظنت الملائكة أنه لقيام الساعة ففزعوا حتى صعقوا، وكانوا لم يسمعوا ذلك الصوت منذ رفع عيسى، وذلك خمسمائة أو ستمائة عام، ولهم علم بقيام الساعة بعد بعث آخر الرسل، وخافوا الساعة، وجعل جبريل يمر بأهل كل سماء يزيل عنهم الفزع، ويخبرهم أنه نزل للوحى، وأنه عز وجل يقول الحق، وفيه أنه لو أخبرهم لما قالوا: { ماذا قال ربكم } اللهم إلا أن يقال يفيقون ويقولون: { ماذا قال ربكم } والخطاب لجبريل بصيغة الجمع تعظيما، أو لبعض من بعض، وقد علموا أن نزوله لقول من الله جل وعلا، فيجيبهم بأنه { قال الحق } ولم يذكر الزجاج أنهم صعقوا، بل سأل بعض بعضا، ثم نزل جبريل فأجاب البعض بأنه تعالى قال الحق.
والصحيح أن الخوف لقيام الساعة، وورد أيضا لغيرها، لكن ليس تفسيرا للآية، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم:
"إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضوعا لقوله تعالى كأنه صلصلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم، وذلك صوت يخلقه الله" وعنه صلى الله عليه وسلم: "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كحجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا أتاهم فزع عن قلوبهم فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحق، فيقولون الحق" والصلصلة صوت خلقه الله عز وجل حيث شاء.