التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٣
-سبأ

تيسير التفسير

{ وقال الَّذين كفروا لا تأتينا } معشر الخلق { السَّاعة } يوم القيامة، وأردوا بنفى إيتانها نفى أن توجد بعد، وعدم الوجود موجب لعدم الاتيان، ففى ذلك تعبير بالمسبب واللازم، عن السبب والملزوم، واختاروا هذا مقابلة لقول من قال تأتى، وقيل: استبطاء لاتيانها على طريق الهزء، وهو ضعيف لأنه لم يقل: ألا تأتينا الآن بالاستفهام كما فى " { متى هذا الوعد } " [يونس: 48] ويجوز توجيهه بأنه كما يرجو الانسان شيئا، ويقول على طريق الضجر لا يأتى، وهم بهذه الصورة على طريق الهزء والعطف عطف قصة على أخرى.
{ قُل } لهم رداً عليهم { بلى } أى ليست لا تأتى، وأكد هذا بقوله: { وربِّي لتأتينَّكُم } ذكر الرب بالاضافة للاشارة الى الانتصار بمن هو ربه تعالى ينصره على من خالفه فى قوله: لا، للاشارة الى أن إتيانها من شأن الربوبية، والقسم بمربيه تشديد للقسم { عالم الغَيْب } هو عالم الغيب، أو مبتدأ خبره قوله: { لا يعْزب عنْه مثْقال ذرَّة في السَّماوات ولا في الأرض } وذكر علم الغيب تأكيدا لقوله:
" { يعلم ما يلج } "[سبأ: 2] إلخ وأجزاء الميت المتفرقة لا تخفى، فكيف لا يقدر على بعثه مع قدرته على الخلق من العدم، والقرآن والأحاديث كالنصوص فى رد ما فنى البتة حتى كان لا وجود له فنقلدهما فى ذلك والمفهوم رد الموجود، وقد صرح الحديث والآثار برد الشعور والجلود وغيرها من الأجزاء من أول خلقة الانسان الى موته، حتى قيل: ترد الأعراض والأزمنة مع الأجسام أيضا.
وفى ذكر عالم الغيب مناسبة لكون إتيانها من الغيب الذى اختص الله به عز وجل، وهم عالمون أنه صلى الله عليه سولم صادق فى الجملة، متنزه عن الكذب، وانما كذبوه عنادا وتكبرا عن أن تبعوه، وأمره الله عزوجل باليمين مجاراة على ظاهر إنكارهم، وإلا فالمناسب إذ علموا ذلك أن لا يقسم لهم، لكن أقسم لأنهم لم يجزموا فى نفس البعث بأنه صادق فيه، والمناسب للمنكر أن يجاب بالقسم ونحوه من التأكيد إلا لغرض آخر، مثل أن تيأس منه فترد كلامه بلا تأكيد كأنك تقول هذا ثابت لا يحتاج الى تأكيد صدقت أو كذبت، ولا يعزب لا يبعد، ومن شأن البعيد أن يغيب، فالمعنى لا يغيب عن علمه مثقال ذرة، وهو ما يوازن الدقيقة الواحدة التى ترى فى الشمس من كوة، أو نملة صغيرة فى الثقل، وقوله: { في السماوات ولا في الأرض } نعت لذرة، والمراد بالأرض فى هذه المواضع ونحوها الأرضون، ولو لم أنبه عليه فى كل موضع ما لم يدل دليل على هذه الأرض.
{ ولا أصْغَر من ذلك } المثقال { ولا أكبر } منه، وأكبرية الذرة نسبية، فان الذرة مثلا أكبر مما على عشرها أو أقل أو أكثر، وأصغر مبتدأ خبره فى قوله: { إلا في كتاب مُبِين } اللوح المحفوظ، أو الضبط، وكونهما فى اللوح المحفوظ موجب لكونهما معلومين لله تعالى، ويدل لذلك قراءة أخرى لنافع بفتح الراءين، على أن لا عاملة إن وخبرها فى كتاب، ويجوز عطف أكبر وأصغر على مثقال بالرفع، وعطفهما مع فتح الراءين على ذرة، وعلى هذين الوجهين فى يكون الاستثناء منقطعاً، والتقدير: لكن ما ذكر ثابت فى اللوح المحفوظ.