التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٣٣
وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
٣٤
-سبأ

تيسير التفسير

{ وقال الَّذين اسْتُضعفوا للَّذين اسْتكبروا بل مْكَر الليْل والنَّهار } فاعل لمحذوف، اى صدنا مكر الليل والنهار، أى صددتمونا بمكركم لنا على استمرار فى الليل والنهار، أو خبر أو بمتدأ لمحذوف، أى سبب كفرنا مكرمكم أو مكر الليل والنهار سبب كفرنا، فحذف المضاف اليه، وناب عنه الظرف أو أسند المكر الى وقته على طريق التجوز فى الاسناد، والمجاء العقلى، فالليل والنهار ماكران، وفيه مبالغة ليست فى جعل الاضافة بمعنى فى كما الوجه الأول.
{ إذْ } قيل بدل من الليل والنهار، وفيه أنه يرجع الى أنه أضيف اليه مكر لأنه بدل مما أضيف اليه مكر، وهو لا يضاف اليه إلا الزمان، إلا أن يختار أن المبدل من ليس فى نية الطرح، وقيل: يجوز أن يكون تعليلا للمكر، ولا وجه له لأنه كقولك مكر بنا الليل والنهار، لأنكم تأمروننا أو مكرتم بنا فى الليل والنهار لأنكم تأمروننا، وقيل أيضا: يجوز أن يكون ظرفا للمكر، وفيه أنه راجعا الى الإبدال سواء قلنا إن قوله: { تأمُروننا أن نكْفُر بالله ونْجْعل له أنْداداً } نفس مكرهم، أو قلنا: مكرهم أمور أخر مقارنة بأمرهم، داعية الى الامتثال من نحو ترغيب وترهيب والأنداد، جمع ند بمعنى شريك مطلقا، وقال ابن العربى: مخصوص بمن يدعى الربوبية، وعلى كل حال سمى لأنه ند عن الله أى شرد عن اللياقة ان كان غير عاقل، وشرد عن العبادة ان كان عاقلا، وقرن القول الثانى بالواو لأنه ليس جواب سؤال، بل معطوف على جوابه، كأنه قيل: فما كان بينهم؟ فقيل: قال الذين استكبروا كذا، وقال الذين استضعفوا كذا.
ويحرم تصوير ما فيه روح، وجاز ما لا روح فيه، وعن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم" أى صورتم، وعن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى قال: من أظلم ممن يخلق كخلقي" وعن مجاهد، عن النبى صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة" فاما أن يقطع رأسها أو تبسط، وروى أنه كان على باب بيت عائشة رضى الله عنها ستر معلق عليه تماثيل، فنزل جبريل عليه السلام فقال: إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو تماثيل، فاما أن تقطعوا رءوسها أو تبسطوها بسطا، قال بعض فقهاء قومنا: نأخذ بأن تبسط الثياب التى عليها تماثيل، وعن عطاء وعكرمة: إنما يكره من التماثيل ما نصب نصبا، وأما ما وطئته الأقدام فلا بأس به قلت لا بد من المصير الى هذا اذا قلنا: الأمر بقطع الرءوس كما هو ظاهر أو بالبسط هو من الحديث، وإلا فالبسط عندى لا يجزى ولو كان فيه اهانة.
{ وأسرُّوا } المستكبرون والمستضعفون { النَّدامة } على الضلال والاضلال فى جانب المستكبرين، وعلى الضلال فى جانب المستضعفين، ومن الجائز أن تقول: وعلى قبول الاضلال أيضا، والمقام يدل على قبوله ولو لم يذكروه، بل المحاورة، وذكر الأمر صريح فى أنهم قبلوه وندموا، والمراد وأسروا الندامة حين حضر العذاب كما قال: { لمَّا رأوا العَذَاب } وأما قبله فقد أظهروها بالتفاؤل المذكور بينهم، وذلك أنهم قبل حضوره قادرون على الكلام، وبعد حضوره، فشلوا عن أظهار الندم، ولو كانوا قد يتقاولون بعد ذلك فى النَّار، لا يبعد أن يكون المعنى أظهرها قبل حضوره، وأخفوها فى قلوبهم بعده، وقيل: الهمزة للسلب، كأقردت البعير، وأشكيت زيدا بمعنى أزلت شكواه بالسعى فيما يزيل ضره، فيكون المعنى: أظهروا الندامة لما رأوا العذاب، وهو خلاف الظاهر فى لفظ أسر والإظهار هو ندامة ذلك التفاؤل.
{ وجَعَلنا الأغْلال } القيود { في أعْناق الَّذين كَفَروا } هم الذين استكبروا، والذين استضعفوا أو هم وكل شقى ممن ليس رئيسا متبوعا فى الضلال، ولا مرءوسا فيه تابعا لانسان، بل تبع الشيطان ونفسه، لكن ان عممنا هذا فى الظالمين فى قوله:
" { إذ الظالمون } "[سبأ: 31] لم يخلوا عن رئيس ومرءوس، وغلام الخضر ليس من أهل النار، لأنه غير بالغ، وإن كان بالغا فظاهر فيكون سماه غلاما لقربه من الطفولية، وان أريد خصوص من ذكر فى الآية، فالمقام للاضمار، وأظهر للتصريح بما أوجب العذاب وهو الكفر { هَل يُجزون إلا ما كانُوا يعْمَلون } أى لا يجزون إلا شراً اقتضاه عملهم، أو لا يجزون أقل من عملهم ولا أكثر، وما مفعول مطلق على حذف مضاف، أى الأجزاء ما كانوا يعملون، أو يقدر الجار أى إلا بما كانوا، أو على ما كانوا، أو عن ما كانوا، والكل وارد، والباء أظهر، وقال الله تعالى تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم.
{ ومَا أرْسلنا في قَريةٍ } من القرى { مِن نذير } من النذر { إلا قال مُتْرفُوها } منعَّموها بالأموال والأولاد والجاه، خصوا بالذكر لشدة غفلة قلوبهم، وبعدها عن الحق لشدة قسوتها بالنعم، والاشتغال بأمر الدنيا وأيضا هم السابقون الى التكذيب بالحق، لمخالفته لزخارفهم وشهواتهم، وهم الرؤساء فى ذلك والفقراء، بخلاف ذلك، فكانت أتباع الرسل الفقراء والضعفاء أولا كما قال المقوقس لرسوله صلى الله عليه وسلم إليه لما سأله عن أتباعه فقال الضعفاء:
{ إنَّا بما أرْسلتْم } على زعمكم أنكم أرسلتم { به كافرون } بما متعلق بكافرون قدم للفاصلة ولسرعتهم الى ذكره، لأنهم يذكرونه على وجه النفى، والمعنى مترفو كل قرية قالوا لنبيها إنا كافرون بما أرسلت به، فجمع رسل القرى فى أرسلتم والمترفون فى إنا وكافرون، وفى إنا جماعات، وكذا كافرون، وفى أرسلتم إفراد الرسل، والخطاب لهم أو فيه أيضا جماعات كل رسول وأتباعه الرسول، كالجماعة وأتباعه جماعة، بل أتباعه جماعات خوطبوا أو قيل: الخطاب لكل رسول تهكماً كأنه جماعة، أو يريد المترفون إذا خاطبوا نبيا ذلك النبى وسائر الأنبياء، إنا بما أرسلتم أيها المدعون للرسالة، أو الآية من مقابلة الجمع بالجمع، والآية من نوح وما بعده، بل من شيث، فيكون اثنان جماعة هو وآدم.