التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ
٤٦
-سبأ

تيسير التفسير

{ قُل } يا محمد لهم { إنَّما إعِظُكم بواحِدةٍ } ما أعظكم إلا بعظة واحدة، أو خصلة واحدة { أن تقُومّوا } بدل فى التأويل من واحدة، أو خبر لمحذوف، أى هى أن تقوموا، قيل: أو مفعول لأعنى، وهو مما لا يحسن أن يقال فى حق الله، وجملة هى أن تقومُوا فى الاحتمال الثانى نعت واحدة، وقيل: عطف بيان، ولو تخالف المعطوف عليه والمعطوف تنكيرا وتعريفا، فان الفعل وحرف المصدر معرفة اذا كان المسند اليه معرفة وهو الواو هنا، أى قيامكم، والمراد بقيامهم الجد والاجتهاد، كما قال ابن جريج فى التفكر لا فى العبادة كما قيل، لأنهم ليسوا من أهلها ولا بصددها، وأيضا المقام للتفكر.
وأما قوله: { لله } فلا نسلم أنه بمعنى لعبادة الله، بل معناه فى شأن دين الله الذى أدعيه هل صح، وقيل: المراد قيامهم عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم { مَثْنى } اثنين اثنين { وفُرادى } فرداً فرداً، لأن الكثرة بينهما فى الأغلب إذا كانا يدا واحدة على الغير، وقد شاع أن الفتح بين الاثنين، وقدمهما على فرادى لأن رأيهما أقرب الى الاطمئنان من الواحد لتعاضدهما، والواحد اذا قصد الانصاف أدرك الحق، وقد قال غير واحد من قريش: إنا لم نجرب منه كذبا، ولا كلامه كلام شاعر، وانه أرجح عقلا، وما يقول إلا حقا، ثم ان بعضا ينسبه الى الشعر مجازفة وتخليطا، وبعض ينسبه اليه من حيث ان للشاعر حذقة فى الكلام.
{ ثم تَتَفكَّروا } فى شأنى فتعلموا حقيقته وقوله: { ما بصاحِبكم مِن جنَّة إن هُو إلا نذيرٌ لكُم بَيْن يَدي عذابٌ شَديدٌ } مستأنف كلام الله عز وجل ونصرة منه تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، بما لا يخفى إلا على مجنون مطبق، وهو أنه عاقل، جاء بما جاء من الله عز وجل، وما نافيه،ويجوز أن تكون الجملة مفعول للتفكر معلقا هو عنها بالاستفهام، على أن ما استفهامية، لأن التفكر من أفعال القلوب، والاستفهام انكارى، ويجوز أن تكون ما نافية معلقة للتفكر. ويجوز تقدير أن تتفكروا فتعلموا أنه ليس فيه جنون، ويجوز أن تكون مفعولا لتعلموا المقدر، أى لتعرفوا الجنون الذى هو فيه، وذلك تهكم بهم، يجوز أن تكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه فمقتضى الظاهر ما بى من جنة إن أنا إلا نذير.
وعلى كل وجه عبَّر بصاحب لأنه يظهر من الصاحب للمخالطة ما لا يظهر من غيره، فان من لم يصاحب يخفى حاله، والمراد بقوله عز وجل: { بين يدي عذاب شديد } قرب الساعة كقرب ما بين يديك اليك، كما قال صلى الله عليه وسلم:
"بعثت أنا والساعة كهاتين" مشيرا الى السبابة والوسطى مضمومتين، وقال صلى الله عليه وسلم: "بعثت في نسم الساعة" والباء بمعنى فى ومن للبيان على استفهامية ما وموصوليتها، وصلة على أنها حرف نفى.