التفاسير

< >
عرض

أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ
٨
-سبأ

تيسير التفسير

{ أفْترى على الله كذبا أم به جِنَّةٌ } هذا من كلام بعض لبعض، فهو من جلمة ما حكى بقوله: " { وقال الذين كفروا } " [سبأ: 7] ويجوز أن يكون كلام سامع مجيب لمن قال: " { هل ندلكم } "[سبأ: 7] والهمزة مفتوحة ثابتة للاستفهام وهمزة الوصل المكسورة محذوفة لفظا خطا، والمعنى أكذب على الله، فأخبر بثبوت البعث عمدا، أم لم يكذب أى لم يخبر به عمدا، بل أخبر به لجنون فيه ولا عمد له، وأخطأ وما وافق الواقع، أو خالفه بلا عمد صدقا، ولا كذبا، وما وافقه بعمد صدق أو خالفه بعمد كذب، والبسط فى المعانى، وقد يطلق الصدق على الموافقة، والكذب على المخالفة بلا عمد، وليس قوله: "أم به جنَّة" أى جنون قسيما لقولهم: { افترى } إلا باعتبار اللزوم، لزوم العمد للافتراء، ولزوم عدمه للجنون، وأم متصلة، والمعنى أتعمد الخطأ أم لم يتعمده، وقيل: منقطعة للاضراب الإبطالى بلا همزة أى بل به جنون عدولا عن الافتراء الى ما هو أغلظ وهو الجنة، فان الجنون خروج عن العقل، والمفترى عاقل، والعاقل أفضل من المجنون فى العرف.
{ بل الَّذين لا يُؤمنون بالآخِرة } للقضاء عليهم بالشقوة { في العَذاب والضلال البَعِيد } إبطال لدعوى الافتراء، ولدعوى الجنون، واثبات للانتقام منهم على ذلك بالعذاب الأخروى الدائم واخبار بأنهم فى ضلال بعيد عن الحق، وقدم العذاب على سببه الذى هو الضلال البعيد مسارعة الى ما يسوءهم، وإشارة الى أنه مسارع إليهم، والثبوت المقدر الذى تعلق به فى العذاب مستعمل فى الزمان المستمر، وهو زمان الضلال، وفى الزمان المستقبل، وهو زمان العذاب، فيكون ثابت أو ثبت، مستعملا فى الاستمرار والاستقبال استعمالا للكلمة فى معنيين.