التفاسير

< >
عرض

وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ
٣٧
-فاطر

تيسير التفسير

{ وهُم يصْطَرخُون فيها } يفتعل من الصراخ، أبدلت تاؤه طاء للصاد قبلها، وهو شدة الصياح، والمعنى يستغيثون بصوت هائل من جهنم الى الله عز وجل بدليل قوله تعالى: { ربَّنا أخْرجنا } منها الى الدنيا { نَعْمل صالحا غَير الَّذى كنَّا نَعْمل } هذه الجمل محكية بيصطرخ لتضمنه معنى القول، ولا مانع من إرادة اصطراخ بعض الى بعض، مستغيثين بالله، وأما استغاثة بعض ببعض فبعيدة، ولو أمكنت بالتحير، ويجوز تقدير قول معطوف، أى ويقولون ربنا، أو قول حال أى يقولون أو قائلين ربنا، وصالحا مفعول لنعمل، أى لنوقع عملا صالحا أو مفعول مطلق أى لنعمل عملا صالحا، وغير نعت مؤكد، فان الذى كانوا يعملون غير صالح، أو نعت مؤسس، أى صالحا غير الصالح الذى كان صالحا فى زعمنا، والمراد نوحدك ونؤمن بنبيك، ونعمل بما جاء نابه، ويجابون بعد مقدار عمر الدنيا، وقيل بعد خمسمائة عام بقوله تعالى:
{ أو لَم نعمِّركم ما يتذكَّر فيه من تذكَّر وجاءكُم النَّذير فذقُوا فما للظالمين من نَصير } أى ثم نقول لهم، أو فيقال لهم، أو لم الخ أو يقدر القول بلا عطف على أنه جواب سؤال، كأنه قيل: فبم يجابون؟ فقيل: نقول لهم، أو يقال لهم: أو لم نعمركم وعلى طريقة الحذف يقدر: أعاجلناكم ولم نعمركم، والهمزة للإنكار، وما اسم واقع على التعمير أو الزمان معرفة، أو نكرة، أى أو لم نعمركم التعمير الذى يتذكر فيه من تذكر، أو تعميرا يتذكر فيه الخ، أو المقدار الذى يتذكر فيه، أو مقداراً يتذكر فيه الخ، فاذا أوقعت على التعمير فمفعول مطلق، أو على المقدار من الزمان فظرف، أى أو لم نبقكم يه، وذلك يحصل بالبلوغ والمراهقة قبله، وقد فسره بعض بزمانها.
وعن الحسن: سن البلوغ، إذ قد يتذكر قبل المراهقة، وأما رواية البخارى والنسائى، عن سعد بن سعد مرفوعا، وعن ابن عباس موقوفا أنه ستون سنة، وما روى عنه موقوفا أيضا ست وأربعون، وما روى عن الحسن أربعون، وقيل: سبع عشرة، وما روى عن مجاهد: ما بين العشرين الى الستين، ويحتمل أن تلك المقادير وعظ بها أشخاص تمت لهم إلا الرواية عن مجاهد توهم رواتهن أنها الحد، وأنه عذر من دون تلك المدد، ولا قائل بعذره إلا الوجهين الأولين، فانه بعذر من لم يبلغ إجماعا أو يقال يختص بهذا التعنيف من بلغ تلك المدد، ومن لم يبلغها ودخل النار لم يعنف بذلك، ومعنى تذكر أراد التذكر، وجملة جاءكم النذير معطوفة على الجملة قبلها التى لفظها إنشاء، ومعناها اخبار، أى عمرناكم، وجاءكم النذير، وقد يتسلط الاستفهام على جاءكم كذا قيل، وفيه أنه للإنكار، وفى جاء للتقرير، فلا تستعمل الهمزة فى معنيين إلا عند مجيز استعمال الكلمة فى معنيين مجازين أو حقيقين، أو أحدهما حقيق.
ولا يجوز نفى الماضى بعطفه على مضارع منفى، والنذير رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآيات فى أمته، وعلى العموم النذير نبى كل أمة أو نائبه من العلماء، وعن ابن عباس وغيره: الشيب، وفى الأثر ما تبيض شعرة إلا قالت لأختها استعدى فقد قرب الموت، وقيل: الحمى فانها نذير من النار، وقيل فوت الأهل والأقارب، وقيل كمال العقل، وهذه أقوال لا يحسن التفسير بها، إذ لا دليل عليها، ولأنها لا تطرد فى الناس، والأصل التعميم، ولأنها تخالف الإنذار فى سائر القرآن، والفاء الأخيرة تعليل، والأصل فذوقوا العذاب لأنه ما لكم من نصير، فذكرهم باسم الظلم الموجب للذوق.