التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ
٩٩
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ
١٠٠
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ
١٠١
-الصافات

تيسير التفسير

{ وقال } فى بعض أوقاته ولو بعد علمه بما أمروا به من البنيان والنار، على أنه يبقيه الله تعالى حيا، أو طمع أو ذهل غافلا ولو زمانا قليلا يعبد الله فيه قبل قتله الذى يظنه، والإياس من المخلوقين جائز لا من الله عز وجل.
{ إنِّي ذاهبٌ إلى ربِّي } مهاجر اليه مفارق لكم مقدارا أراده الله سبحانه وتعالى أو الذهاب بالقلب الى الله تعالى فى أى مكان يكون، وقيل المراد الشام وقيل مصر { سيَهْدِين } الى ما فيه بقاء دينى وصلاحه وزيادته، من ارشاد ومكان صالح، والسين لتأكيد الوقوع فى المستقبل وجزمه، لتقدم الوعد له بالهدى، أو على عادته مع الله تعالى وقوة رغبته وطمعه، وليس المراد بالذهاب الموت بنارهم، وبالهداية الهداية الى الجنة كما زعم بعض لقوله:
{ ربِّ هَبْ لي مِنَ الصالحين } فان من يموت قريبا قبل خمود النار الموقدة، وهو بلا زوج، وفى غير سن الولادة لا يطلب له ولدا، وشهر أنه فى وقت قوله ذلك بالغ أوان ذلك، ومستعد له، ولم يجزم موسى عليه السلام، بل قال:
" { عسى ربِّي أن يهديني سواء السبيل } " [القصص: 22] لتفاوت مقامات الأنبياء، وإبراهيم أعلى منه عليهما السلام، ولأنه بصدد أمر دنيوى وهو النجاة من فرعون قيل، ولأنه قاله قبل البعثة، وفيه أن ابراهيم كذلك على المشهور، ولعدم وعد الله له قبل، وعدم تقدم اعتياد وعبارة بعض أن إبراهيم قال ذلك بعد البعثة، ومن للتبعيض، أى ولدا من الصالحين يعيننى على الدعاء الى توحيد الله وعبادته، ويؤنسنى فى الغربة والهبة مع العقلاء فى الأولاد غالبة فى القرآن، وكلام العرب، ومن غير الغالب قوله تعالى: " { ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا } " [مريم: 53] والمراد هبة نبوّة لا هبة ذات، ويدل للولد قوله تعالى:
{ فبَشَّرناه بغلامٍ حَليمٍ } وهو مقو لن قال أنه حين قال ذلك بالغ كبير، بشره الله الرحمن الرحيم بالولد، وصرح له بأنه ذكر، وأنه يبلغ أو أن الحلم، وهو سن التكليف، وقد قيل: إنه حين تسليم نفسه للذبح مراهق، فكيف إذا زاد، وقيل: ما وصف الله نبيا بالحلم لعزة وجوده إلا ابراهيم وابنه عليهماالسلام، والغلام إسماعيل على الصحيح، وقيل: اسحاق، والقولان عن ابن عباس.
ويروى أنه أمر بذبح إسحاق وهو بالشام، فسار به مسيرة شهر فى غداة واحدة، مسيرة شهر الى منى، ولما فدى بالكبش رجع فى مسائه مسيرة شهر، طوى الله له الأرض، وأكثر الروايات عن ابن عباس أنه إسحاق ويناسبه أنه بالشام، وأنه أمربذبح من بشر به، وليس فى القرآن أنه بشر ولد غير اسحاق، قال الله سبحانه وتعالى: "فبشرناها بإسحاق" وقال: "وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين" وهذا بعد قصة الذبح، يدل على أنه بشر بالنبوة، وأول الآية وآخرها بدل أن الذبيح إسحاق.
وكذا روى أن يعقوب كتب من الشام الى مصر: من يعقوب إسرائيل بن إسحاق ذبيح الله ابن ابراهيم خليل الله، ودل على أن الذبيح اسماعيل أنه ذكر الله تعالى البشارة باسحاق بعد الفراغ من قصة الذبيح، وأيضا قال الله تعالى:
" { فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } " [هود: 71] فان المناسب بحسب الظاهر أن لا يأمره بذبح اسحاق، وأيضا وصف إسماعيل فى القرآن على الصبر لا إسحاق، فهو الصابر على الذبح، وقال عالم يهودى، أسلم لعمر بن عبد العزيز: إن الذبيح اسماعيل لكن اليهود حسدوكم، وأيضا قرنى الكبش معلق بالكعبة، وقد رآه ابن عباس مع بقية الرأس البالية، وسأل الأصمعى أبا عمرو بن العلاء فقال: أين ذهب عقلك يا أصمعى متى كان اسحاق بمكة، إنما بنى البيت مع ابراهيم اسماعيل، وقيل لرسول الله: يا ابن الذبيحين فتبسم ولم ينكر.