التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ
١٠٢
-الصافات

تيسير التفسير

{ فلمَّا بلغَ معَه السَّعي } عطف على محذوف، أى وهبنا له ولدا من الصالحين ونشأ، فلما بلغ الخ، ومع متعلق ببلغ، أو بمحذوف حال من المستتر، ولا اشكال فى ذلك كما توهم لأن ابراهيم مختص بالسَّعى قبل بلوغ اسماعيل السعى، ولما بلغه كان مشتركا معه فيه ولا داعى الى تعليقه بالسعى مع وجود غيره، فان المصدر إذا كان على معنى الفعل وحرف المصدر كما هنا، اجتنب تقديم معموله عليه، ولو كان ظرفا ما وجد وجه آخر، واذا لم يقصد استحضار معنى الفعل وحرف المصدر جاز التقديم، وسواء عرف أو نكر، والمراد السعى فى مصالح الدين والدنيا، وذلك الوقت أفضل الأوقات للاب من الولد، لبلوغ الانتفاع به، مع ذل الصغر، فانه إذا كبر بلغ وقتا تدعوه نفسه فيه الى عناد أبيه، ويقال: السعى معه الى الجبل، ويقال: سنه يومئذ ثلاث عشرة سنة، وقيل سبع سنين.
{ قال يا بني إنِّي أرى في المنام } اسم زمان ميمى، اى فى حال النوم { أنِّي أذبحُك } أعالج ذبحك بتحديد الشفرة وتوجيهها الى عنك، والتعمد بها عليه، وان رأى أنه لا ينذبح أو كلما انذبح موضع انغلق كما كان، فانه لم يذكر لابنه عدم الانذباح ليرى ما عنده من الصبر، ويبحث بأن الأصل فى حقه أن يذكر كل ما رأى، ويحتمل أنه رأى أنه يذبحه، وأتم الذبح، ولا يلزم من هذا قدح بمخالفة أنه لم يذبحه تحقيقا فى اليقظة، لأن الله تعالى أن يشير بما شاء الى ما شاء، وفى ذلك أعظم الصبر.
أو رأى فى المنام ما تأويله الذبح، لا نفس الذبح، فذكر التأويل، أو أتى فى المنام فقيل له: اذبح ابنك، أو لما بشرته الملائكة بالغلام قال: هو إذن ذبيح لله تعالى، ولما بلغ معه السعى قيل له فى المنام: أوف بنذرى.
وروى أنه رأى فى الليلة الأولى أنه أمر بذبحه، فأصبح يومه يفكر أمن الله تعالى وهو يوم التروية، ومثل ذلك فى الليلة الثانية، فعرف أنه من الله فيومها يوم عرفة ومثله ليلة النحر فهم بنحره، وذلك يوم النحر لعمده الى نحره، ولنحر فدائه، وفى ذلك كله مبادرة الى تصديق الرؤيا، لأنها من الانبياء حق، والمبادرة الى انفاذها أدل على كمال الايمان، وحال الانبياء سواء يقظة ومناما، ولم يقل أنى ذبحتك استحضارا للحال الماضية فى المنام رؤية وذبحا، ولا دليل على كمال الإيمان، وحال الأنبياء سواء يقظة ومناما، ولم يقل انى بالمضارع للاستحضار، أو لمشاكلة ما تكرر معالجة الذبح بلا انذباح فى المنام، وكيف تتصور الرؤية بلا تكرر ذبح.
{ فانْظُر ماذا ترى } مبتدأ وخبر وصلة، أى ماذا تراه، والجملة مفعول لا نظر معلق عنها أو ماذا اسم واحد مفعول لما بعد، والمجموع معلق عنه انظر، والكلام على صورة المشاورة، ليرى ما عنده فى الشدة فان ظهر ضعفه أو جزعه ثبته وقواه، وليوطِّن نفسه فيعظم ثوابه، والمشاورة مشروعة، ولو شاور آدم الملائكة ما خرج، ولكن محال أن لا يخرج وقد قضى الله عز وجل به.
{ قال يا أبت } نداء توقير كما ناداه أبوه نداء ترجم { افْعل ما تُؤمرَ } الرابط محذوف على غير قياس، لأنه مجرور بحرف جر بدون وجود شروط حذفه، نعم أجاز بعض النحاة فى الرابط بلا شرط إذا ظهر المعنى، وخص بعض مادة "أم" بذلك أى ما تؤمر به، وقيل حذف الجار وانتصب المحل، فكان كالضمير المنصوب بالمتعدى، ففى مثل هذا للخروج به عن ذلك لا أعيب على من يجعل ما مصدرية، فلا تحتاج لرابط والمصدر بمعنى أى افعل مأمورك، ومأموره هو ما أمر به، وانما علِمَ الابن أن الأب مأمور لعلمه أنه لا يقدم الى ما لم يؤمر به، أو لعلمه بأنه رأى أبوه الرؤيا، وعلم أن رؤيا الأنبياء حق، ولا مانع من أن يريد افعل ماأمرك الله به، وإن لم يأمرك فلا تفعل، ولم يقل افعل ما أمرت، ليدل بالمضارع على استحضار الحال الغريبة، أو على التكرار إن علم أن أباه أمر مرارا، أو على الاستقبال بمعنى أن ما مضى غير جزم فافعل ما تؤمر به على الجزم.
{ سَتَجدني إن شاء الله من الصابرين } على ما أراد الله عز وجل الذبح وما فوقه كالقطع شيئا فشيئا، وما يساويه وما دونه، وفى قوله: { من الصابرين } مع أنه المناسب للفاصلة رسوخ ليس فى صابر، أو فى ذلك إغراء لأبيه عن أن تأخذه شفقة.