التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
١٠
-الزمر

تيسير التفسير

{ قُل يا عبادِ الَّذين آمنُوا اتَّقوا ربَّكم } أى قل لهم عنى بدليل إضافة عباد لضمير الله سبحانه، وهى اضافة تشريف، كأنه قيل: قل للمؤمنين يقول لكم ربكم: يا عبادى الخ ولا شك أن هذا لكونه حكاية كلام الله تعالى أقوى من أن يقول: يا عباد الله الذين آمنوا اتقوا ربَّكم { للَّذين أحْسنُوا } إلخ تعليل، أى لأن للذين أحْسنوا { في هذه } متعلق بأحسنوا، أو بمتعلق للذين { الدنيا } بأداء الفرائض والنفل، والهجرة الى الحبشة أو الى المدينة، أو بالصبر على أذى المشركين، والتمسك بالدين { حَسنةً } مرتبة حسنة هى موضعه فى الجنة، أو هى الجنة، ومعلوم أن الجنة على التوزيع، أو خير الدنيا والآخرة، وقيل: الحسنة المدينة، وقيل: الثناء الحسن فى الألسنة المقبول عند الله، والصحة والسلامة، وقيل: ولاية الله.
{ وأرض الله واسعةٌ } لا عذر لمن أشرك أو عصى لتضييق المشركين عليه، والآية حث على الهجرة، وقد قيل: نزلت فيمن هاجر الى الحبشة، وعبارة بعض: نزلت فى جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه وأصحابه، إذا هاجروا، وفسرها بعض بالحث على الهجرة من البلد الذى ظهرت فيه المعاصى اقتداء بالأولياء، ولما فتحت مكة لم تجب الهجرة، فمن أسلم فى دار شرك وهى وطنه، جاز له المقام فيها ان كان يصل الى اظهار دينه، وقيل: ولو كان لا يصل الى اظهاره، وقد أقامه سرا وان لم يجد من يعلمه دين الاسلام، أو يفتنوه، ولو سره وجبت عليه الهجرة " ألم تكن أرض الله واسعة" إن أرضى واسعة" الخ وقيل: أرض الله المدينة، على أن الإحسان الهجرة، فالحسنة الراحة من الأعداء، وقيل أرض الله الجنة، وفيه أن المقام يناسب وسع الدنيا، ولو ناسب التفسير بالجنه قوله تعالى:
" { وأورثنا الأرض نتبوَّأ من الجنة حيث نشاء } "[الزمر: 74] و " { جنة عرضها السماوات } " [آل عمران: 133] لكن مناسبة لا تقرب أن تكون حجة فى تفسير الآية.
{ إنَّما يُوفى الصَّابرُون } على دينهم وعلى المصائب، وعلى أذى المشركين ما داموا فيهم، وعلى الهجرة ومفارقة الوطن، ومن يعز فراقه، وعن اللذات قال: على كل مطيع يكال له ويوزن إلا الصابرين، فانه يحثى لهم حثيا، ويروى أن أهل البلاد لا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، ويصب عليهم الأجر صبا بلا حساب حتى يتمنى أهل العافية فى الدنيا أن أجسامهم قرضت بالمقاريض لما يرون من ثواب أهل البلاء ومن العجيب تفسيره بالصبر على الصوم، وأعجب منه دعوى أن تفسيره بالصوم أكثر الأقوال، مع أنه لا مدخل للصوم إلا أنه من الدين، ولم يشهر أن المشركين يضيقون عليهم لأجل الصوم فيقال: صبروا عليه، وانما الكلام فى الصبر على شدة المشركين، وقطع عذر من لم يصبر عليه، فارتد مع أن أرض الله واسعة، يغريهم على الصبر أو على الاقتداء بمن صبر قبلهم.
{ أجْرهُم } فى الآخرة { بغَيْر حِساب } حال من أجر أو من " الصابرون" أى كائنين بغير حساب على ذلك الأجر، وعلى كل حال المراد الكثرة كما قال ابن عباس لا يهتدى اليه حساب، أو حال من "الصابرون" على معنى أنهم يدخلون بغير حساب، ومقتضى الظاهر إن قلنا، المراد بالصابرين من خوطبوا بقوله "يا عبادى" وقوله "اتقوا ربكم إنما توفون أجوركم بغير حساب" بالاضمار فأظهر، ليذكر أن العمدة الصبر، وأن لا ثواب مع عدمه، وقل هؤلاء المؤمنين المخاطبين، أو للمشركين كما قال تعالى:
" { فاعبدوا ما شئتم من دونه } " [الزمر: 15] أو للكل.
قال أبو هريرة: من رزق خمسا لم يحرم خمسا وزيد سادس: من رزق الشكر لم يحرم الزيادة لقوله تعالى:
" { لئن شكرتم } " [إبراهيم: 7] الخ ومن رزق الصبر لم يحرم الثواب لقوله تعالى: "إنما يوفى" الخ ومن رزق التوبة لم يحرم القبول لقوله تعالى: " { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } " [الشورى: 25] ومن رزق الاستغفار لم يحرم المغفرة لقوله تعالى: " { استغفروا ربكم } " [هود: 3، 52] الخ ومن رزق الدعاء لم يجزم الاجابة لقوله تعالى: "ادعون" الخ والسادس من رزق الانفاق لم يحرم الخلف لقوله تعالى: " { وما أنفقتم } " [البقرة: 270، سبأ: 39] الخ وفى الصبر على أذى السن أجر كبير، كما روى أن الله تعالى أوحى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله: "أن قل لأبى علام أضمر؟ فسأله فقال: على وجع السن سبع سنين" فليس كما فيل انه لا ثواب لمن صبر على وجعها، اذ كان له نزعها، لأنا تقول الأصل عدم قطع الأعضاء فنزعها جائز، والصبر عليها له ثواب لمن قصده.