التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٢٢
-الزمر

تيسير التفسير

{ أفَمَن } الهمز مما بعد الفاء أو داخلة على جملة معطوف عليها، أى أكل الناس سواء، فمن شرح الله إلخ، ومن موصولة مبتدأ خبرها يقدر بعد من ربه، أى كمن قسا قلبه، فهو على ظلمة الضلال { شَرَح الله صَدره للإسْلام } شرح المصدر للاسلام توسيعة له، بأن يجعله قابلا له بلا ضيق ولا كراهة، كشرح اللحم، روى البيهقى، والحاكم وابن مردوية عن ابن مسعود رضى الله عنه، تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية فقلنا: كيف انشراح الصدر؟ قال: " "إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح" قلنا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: " "الانابة الى دار الخلود، والتجافى عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزوله" والمعنى يجىء عليه النور فينفسح له، لأنه خلق منفسحاً له قليلا، فذلك ما مر من أن الشرح توسيعه فهو انفساح للنور والوارد عليه، فلا حاجة الى جعل ما فى الآية بمعنى تمكن الايمان فيه أولا.
وما فى الحديث بمعنى ما زاد بعد ذلك، والى جعل ذلك من الأسلوب الحكيم، وهو الجواب بما هو أولى بالسؤال عنه، والصدر القلب كما فى الحديث من تسمية الحال باسم المحل، وقيل: الصدر عبارة عن النفس التى هى عبارة عن القلب الحال فيها، وفى تجويفه بخار لطيف من الأغذية الصافية تتعلق النفس به أولا، وبواسطته تتعلق بسائر البدن تعلق التدبير، وتلك النفس تتصف بالإسلام.
{ فهُو } بسبب ذلك الشرح { عَلى نُور } عظيم { مِن ربِّه } عطف على شرح الله الخ، وهذا النور هو الاسلام كقولك: أعطاه الله علما فهو عالم، أو أمر الهى يدرك به الحق، أو هو اللطف الإلهى المشرف عليه بمشاهدة الدلائل المخلوقة، والآيات المتلوة { فوَيلٌ } الفاء فى جواب شرط محذوف، أى اذا كان النور محصورا فيمن شرح الله صدره للاسلام لم يبق لمن لم يشرح إلا الظلمة المعبر عنها بالويل، لأن الظلمة هلاك والفاء سببية أى ويل الخ بسبب أن الناجى هو من شرح { للقاسية قلُوبُهم } الصلبة عن الانشراح، الممتنعة عنه، بسبب سماع ذكر الله الذى هو ألة الين القلوب الى الاسلام كما قال { مِنْ ذِكْر الله } أى بسببه، وهذه القسوة هى المعبر عنها فى آية بالاشمئزاز، وقابل بها الانشراح، لا بالضيق المضاد له، لأن الشىء الضيق قد يدخله شىء قليل، ويتخلله بخلاف القسوة كحالة الصخرة الصماء، ولم يقل فويل لمن أقسى الله قلوبهم.
كما قال: { أفَمَن شَرَح الله } إلخ إشارة الى أنه كأن قلوبهم قاسية بالذات، بلا إقساء مقسو لم يقل للقاسية صدورهم، ليلوح الى فساد قلوبهم الذى هو فساد لسائرهم، كما قال صلى الله عليه وسلم:
" "في الجسد بضعة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" والنفس التى خبثت تزداد بالقرآن والذكر خبثا وقسوة، وكلما حدث قرآن أو ذكر حدثت لها قسوة، وخبث، فتنكره كمر الشمس يلين الشمع، ويعقد الملوحة، والقرآن يلين قلب المؤمن ويزيد الكافر قسوة.
قال مالك بن دينار: ما ضر عبد بعقاب أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله تعالى على قوم إلا نزع منهم الرحمة، وروعى لفظ من فى المؤمنين، لأنهم كرجل واحد، لأن مقصدهم واحد، وهو دين الله، بخلاف الكفرة فبحساب ما يهوى بعض، وبحسب ما يطلب منهم الشيطان من أنواع الضلال، ويتقلبون أيضا فى الضلال.
{ أولئك } البعداء عن الخير بقسوتهم { في ضلال مُبين } ظاهر لكل من سمع أو شاهده، قال قومنا: نزلت الآية فى حمزة على فى شرح الصدر، وأبى جهل وابنه فى قسوة القلب، والانسان قد يشرح صدره ثم يقسو، أو يقسو ثم يشرح، والعبرة بما يختم عليه، والتوبة مبسوطة، فقد نزل: "ويتوب" ولا تشهر توبته فيكذب بها، وانما يقولون: كرم الله وجهه، لأنه فى بطن أمه يرد وجهه الى غير جهة الصنم الذى قصدته أمه فى الجاهلية، أو يمنعها بوجهه ورأسه.