التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ
٢٤
كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ
٢٥
-الزمر

تيسير التفسير

{ أفمنْ يتَّقي } كأبى جهل كما قيل نزلت فيه، والخبر محذوف يقدر بعد القيامة، هكذا عمن هو ناج، والهمزة عند ابن هشام مما بعد العاطف فى مثل هذا، وعلى دخولها على محذوف يقدر أكل الناس سواء، فمن شأنه أن يتقى أو استقبله أن يتقى { بوجْهه } وهو أعز أعضائه الظاهرة، وكان يتقى عنه فى الدنيا بسائر أعضائه لا وقاية له ترد عنه، ولا يجد أن يتقى بيديه، لأنهما غلتا الى عنقه، فيلقى فى النار مكبوبا، وفى عنقه صخرة كبريت تشتغل ناراً، ولا إشكال فى هذا، ودون ذلك أن يفسر الوجه بالجسد كله، تسمية للكل باسم البعض، ويظهر لى أن المراد باتقاء النار بوجهه أن النار تحيط به حتى عمت أعز الأعضاء اليه، وإلا فالاتقاء بالشىء اتقاء به غيره، مع أنه ليس المراد أن يتقى بوجهه عن غير وجهه، كما يتقى الضر باليد على الوجه، ولا أن يتقى بجسده كله من غير جسده، نعم يجوز اذا فسر الوجه أمكن أن يراد لا يتقى النار بجسده ببعضه من بعض، وذكر الظهر مع الوجه فى سورة الأنبياء أنسب أن يراد هنا خصوص الوجه.
{ سوء العذاب } من اضافة الصفة الى الموصوف أى بالعذاب السوء، لأنه كما يستعمل اسما يستعمل وصفا { يوم القيامة } متعلق بيتقى، أو بالعذاب { وقيل } أى ويقال: لكن لما كان لا بد منه كان كالواقع الماضى { للظالمين } أى لهم أى لمن يتقى بوجهه، ووضع الظاهر ليصفهم بالظلم الموجب لذوقه العذاب، كما قال الله عز وجل: { ذُوقوا } على الدوام، والتعبير بالذوق تلويح بأن العذاب لا يزال يزداد، أو عبارة عن الشروع فى العذاب، وكذا فى غير هذا المحل { ما كُنْتم تَكْسِبُون } فى الدنيا، أى جزاءه، وذكر عذاب بعض الكفار فى الدنيا بعد ذكر عذاب الكل فى الآخرة بقوله تعالى:
{ كذَّب الَّذينَ مِن قَبْلهم } من الأمم { فأتاهم } أتى كل أمة منهم { العَذَاب } الذى قدر لها وتستحقه { مِنْ حيثُ لا يشْعُرون } أى من جهة عدم الشعور بزمانه ولا بمكانه، وذلك أشد على النفس فحيث هنا بمعنى شامل للمكان والزمان.