التفاسير

< >
عرض

وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ
٧٣
-الزمر

تيسير التفسير

{ وَسِيقَ الذينَ اتَّقَوا ربَّهُم إلى الجنَّة زُمراً } جماعات على مراتبهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "أول زمرة من أمتى تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم فى السماء اضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل" ومعنى سيق زف كزف العروس، كما جاء الحديث بأن أهل الجنة يزفون اليها كما يزف العروس، ولكن عبر بسيق لمشاكلة سيق السابق، ولا تتوهم الاهانة، هنا لأن كون السوق الى الجنة يدفع توهم الاهانة والاسراع الى الجنة اكرام، وقيل تساق دوبهم، ولا مانع من أنهم يدخلون الجنة كلهم ركبانا أو غالبهم، كما ورد أن آخر من يدخل الجنة رجل يمشى مرة ويكبو أخرى، ولا يخفى أن المقام لذكر أهل الجنة عموما لا لخصوص من يدعى أنه يختص بالركوب لمزيد اخلاصه، كما أن العموم قبل فيمن يدخل النار.
وأخطأ من قال ان الله يرى فى المحشر وفى الجنة، ومن قال يتصور بصورة قبيحة فيه فيقولون: لست ربنا، ثم بصورة حسنة فيقولون أنت ربنا، وأخطأ من قال: يتجلى الله لأهل الجنة أو لأهل الموقف، أو لأحد إلا تجليا بشىء يخلقه.
{ حتَّى إذا جاءوها وفُتِحَتْ أبْوابُها } فتحا عظيما بالتوسعة، وأنواع الكرامات فيها، والواو عاطفة فتفتح بمحضرهم، وقيل تفتح بعد حضورهم اكراما والملائكة ينتظرون عندها بعد فتحها مجيئهم، والأنسب على هذا كون الواو على تقدير قد، أو المبتدأ أى وقد فتحت، أو وهى فتحت، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم:
" أنا أول من يقرع باب الجنة" فهو يجد بابها مغلقا فيفتح له ويبقى مفتوحا، فيدخل أو يقف، ثم تحضر الجماعة الأولى يدخل فيغلق، ثم يجىء من يقرعه أيضا، لأنه قال: أول من يقرع، وكلما قرع فتح وأبقى مفتوحا، ثم يغلق، وشهر أن هذه الواو واو الثمانية تذكر مع الثمانية الجملة كما هنا، ومع العدد الثامن كقوله تعالى: " { وثامنهم كلبهم } " [الكهف: 22] وقوله تعالى: " { والناهون عن المنكر } " [التوبة: 112] وقوله تعالى: " { وأبكارا } " [التحريم: 5] ولا بأس بذكر أن الواو تكون واو الثمانية، مع اعتقاد أنها عاطفة، لا منافاة فى ذلك، وكذا تذكر ثامنة، وهى حالية نحو جاءوا سبعة مشاة، وثامنهم راكب.
وجواب اذا محذوف يقدر بعد خالدين هكذا القول أو رأوا ما لا تكفيه العبارة أو ما لا يكيف قبل مشاهدته، وقدره بعض سعدوا، أو يقدر قبل قوله تعالى: "وفتحت" وهذه واو الحال، دخلت على الماضى المجرد عن نفى وقد أو على قد أو مبتدأ محذوف، أى حتى اذا جاءوها وأوفوا وقد فتحت، أو حتى اذا جاءوها وقد فتحت أو وهى فتحت.
{ وقالَ لَهُم خَزنَتُها سلامٌ عليْكُم } اخبار بأنهم سالمون مما يكره، أو دعاء ولو كان أهل الجنة سالمين، كما أنهم يسلمون عليهم فى الجنة، ويسلم أهل الجنة بعض على بعض { طِبْتُم } نفسا استئناف أو حال، والطيب بالأعمال الصالحة فى الدنيا، وبالتوبة، وهذا أولى من قول مجاهد طبتم نعيما دائما { فادْخُلوها } بسبب طيبكم { خالدين } فيها، وحذفه للعلم به بعد ذكر ما يوهم ولو ايهاما زائلا بخلاف قوله:
" { فادخلوا أبواب جهنم } " [النحل: 29] الخ فانه ذكر فيها ليفيد أن الخلود فى جهنم لا فى الأبواب على ما مر، والحال مقدرة كما مر.