التفاسير

< >
عرض

وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
١١٣
-النساء

تيسير التفسير

{ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ } يا محمد { وَرَحْمَتُهُ } بإعلامه إياك بالوحى بما همَّ به طعمه، وقومه، من تبرئة طعمه الخائن، أو بنوا أبيرق وبهت اليهودى، وهذا الإعلام فضل، من حيث إنه زيادة على إنزال الحلال والحرام، إذ لم يبقك على ما يجوز لك من العمل بالظاهر، كما تعبد بالعمل به، ورحمة من حيث إنه إنعام عليك بالبيان أو فضله بالنبوءة، ورحمته بالعصمة، أو فضله بالنبوة ورحمته بالوحى أو فضله بالحفظ ورحمته بالحرس { لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ } من للبيان، أى طائفة، هى هؤلاء المختانون المجادلون، قوم طعمه، أو المجادلون عن بنى أبيرق، المجموع لا الجميع، أو الجميع، بأن رضى من لم يبيت منهم، وصوب فعلهم، ولم أجعلها للتبعيض بعود الضمير فى منهم لقوله، { { الذين يختانون } [النساء: 107]، لأن من اتصف بالاختيار كلهم هموا، اللهم إلا أن يرد الهاء إلى قومه، كلهم، على أنهم له يهموا كلهم، بل طائفة فقط، ولو لم يجر لهم ذكر لصحة المعنى أو بعود الهاء إلى الناس كذلك، وقيل المراد المنافقون، إذ هموا أن يقتلوه صلى الله عليه وسلم { أن يُضِلُّوكَ } أى بأن يضلوك عن القضاة بما فى نفس الأمر، من أن السارق هو طعمة أو بنو أبيرق إلى الحكم بحسب الظاهر، وهو أنه اليهودى؛ فهذا الإضلال بمعنى مطلق الإذهاب عن الشىء، لا الإيقاع فى الحرام لأنه صلى الله عليه وسلم لو حكم بالظاهر دون نزول الوحى لم يأثم، وجواب لولا ينفى لثبوت، شرطها، وهمهم بالإضلال ثابت غير منتف هنا لأنهم هموا، فيجاب، بأن المعنى لأثر فيك همهم، فاستعمل لفظ السبب فى معنى المسبب، قيل: أو لهمت طائفة من الناس أن يضلوك عن دينك مطلقا، لا فى خصوص مسألة طعمة وفيه أن هذا الهم واقع فى مكة، وفى المدينة أو الجواب لأضلوك محذوفا، ولهمت جواب قسم، أى والله لهمت، وفيه أنه لا يقع جواب القسم ماضيا متصرفا مجرداً عن قد إلا قليلا، ودعوى تقدير قد تكلف، وقد قيل: أراد قوم مبايعته على أن لا يكسروا أصنامهم بأيديهم، فلم يقبل منهم، لأن ذلك بقاء على شائبة كفر، وقوم شرطوا أن يتمتعوا بالأصنام سنة ولم يقبل منهم { وَمَا يُضِلُّونَ } الإضلال المهلك، أو ما يضرون، لأن الإضلال سبب للإهلاك { إلآَّ أَنفُسَهُمْ } لأن وبال الإضلال عليهم، وما أثروا فيك، وأما إذهابه عن القضاء بما فى نفس الأمر لو أذهبوه عنه فليس بضار له، لأنا تعبدناه بالظاهر { وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍ } أى شيئاً، أى ضراً، ولو قضيت بما أحبوا من الحكم على اليهودى، لأنه هو الظاهر، ولا ميل لك عن الحق، ولا أكلفك الغيب، فكيف وقد أخبرك الله بالغيب وجريت عليه { وَأَنزلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ } القرآن { وَالْحِكْمَةَ } سائر الوحى والآداب، ومن الإنزال إنزال الهم على قلبه، أو الكتاب، والحكمة القرآن لأنه مكتوب وحكمة { وَعلْمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } من الغيب، مما سيكون، أو كان فى الحال، أو فى الأمم السابقة، وما فى الصدور فصرت معجزاً به كما أعجزتهم بالقرآن، ومن الخير والشر ومن أمر الدين وهو غير القرآن لأن القرآن أَلفاظ، أو الحكمة معانى القرآن، وما لم يعلم هو الغيب { وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } هو رسالة عامة تامة خاتمة لا تعقبها نبوءة ولا كتاب، والشفاعة العظمى.