التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً
١١٦
إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَٰناً مَّرِيداً
١١٧
-النساء

تيسير التفسير

{ إنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } عن الحق، لأن الشرك أعظم أنواع الضلال، كرر مبدأ الآية للتأكيد، أو لأن الآيات المتقدمة نزلت فى سارق الدرع ومن يشاقق الرسول فى ارتداده، وختم الأولى بقوله فقد افترى، وهذه بقوله فقد ضل، لأن الأولى فى أهل الكتاب، وهم يتعاطون الحق عن الله عز وجل، وكذبوا عليه بأن عيسى إله أو ابن إله، وأن عزيراً ابن الله، وكذبوا فى قولهم محمد صلى الله عليه وسلم غير نبى، وأن القرآن ليس من الله عز وجل، والثانية فى مشركى العرب، لا يتعاطون ذلك، فناسب وصفهم بمطلق الضلال البعيد، روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن أعرابيَّا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى شيخ لم أشرك بالله تعالى شيئاً، مذ أسلمت، منهمك فى الذنوب للهوى لا جرأة على الله وما توهمت أنى أعجز الله تعالى، فما حالى؟ فنزلت الآية، وجعلت هنا، وأيضاً تقدم هنا ذكر الهدى، والضلال ضده، ومن ضلالهم البعيد فى الشرك أنهم يعبدون جمادات إناثاً تنفعل ولا تفعل، ومن شأن الرب أن يكون فاعلا لا منفعلا، وذلك من شدة سفههم كما قال:
{ إن يَدْعُونَ } يعبدون، أو ينادون فى مصالحهم { مِن دُونِهِ إلاّ إِنَاثاً } اللات والعزى ومناة، وهذه أسماء لأصنام، مذكرة ومؤنثة لفظياً بالتاء والألف، اعتبر تأنيثها فى الضمائر، والإشارة، والنعت، وغير ذلك تبعاً لتأنيث اللفظ، كما قد يؤنث الخليفة لمذكر اعتباراً للفظ وكالقراد يذكر، وإذا سمن لحقت اسمه التاء فقيل حلمه، فتؤنث فى ضميرها ونحوه، والمسمى واحد، ولأنهم يزينونها بزينة النساء، ولأنهم يقولون فى أصنامهم إنها بنات الله، جل الله وعز، ولضعفها وانحطاط قدرها كالأنثى، والعرب تسمى ما اتضع انثى ولأن لكل صنم شيطانه تظهر أحياناً حدفته، ولكل حى من العرب صنم يقال له أنثى بنى فلان، وقال مقاتل وقتادة والضحاك: إلا إناثاً أمواتاً لا روح فيها، والجماد يدعى أنثى تشبيهاً له بها من حيث إنه منفعل لا فاعل، أو الإناث الملائكة، فى زعمهم أنها بنات الله، مع اعتقادهم أن إناث كل شىء أخسه، ليسمون الملائكة تسمية الأنثى، وزاد بياناً لبعد ضلالهم، أنهم يدعون من تجرد عن الخير كله إلى الشرك كله، ولعن، وكان فى غاية العداوة لهم، فكيف يصل إليهم خير منه وهو إبليس كما قال { وَإن يَدْعُونَ } فى دعائهم لها أو عبادتهم أو طاعتهم { إلاّ شَيْطَاناً } لأنه أمرهم بتلك العبادة { مَّرِيداً } متجرداً عن الخير كل تجرد، هو إبليس عند مقاتل، ولا يوجد فى كل صنم، بل نوابه من الجن، وعن سفيان: فى كل صنم شيطان، ومادة مرد التجرد عن الشىء بعد حصوله، كتمرد الشجرة عن الورق، أو انتفائه عنه من أول، كالشىء الصقيل الذى لا يتعلق به شىء، والشاب الذى لا شعر فى وجهه.