التفاسير

< >
عرض

وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً
١٦٤
-النساء

تيسير التفسير

{ وَرُسُلاً } منصوب معطوف على أوحينا محذوف، أى وأرسلنا رسلا، أى أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح، وفلان، وآتيناك مثل ما آتينا فلانا، وأرسلناك كما أرسلنا رسلا قصصناهم عليك ورسلا لم نقصصهم عليك، فما للكفرة من اليهود وغيرهم يسألونك مالم يعط هؤلاء { قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ } ذكرنا أخبارهم{ مِن قَبْلُ } قبل هذا الوقت، أو قبل هذه السورة فى القرآن كسورة الأنعام فى مكة، قيل قصصناهم بالوحى فى غير القرآن، ثم قصصناهم فى القرآن { وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } جملة الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر، وجملة الأنبياء، مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، ولفظ بعض أنه تعالى بعث ثمانمائة ألف نبى، أربعمائة ألف من بنى أسرائيل، وأربعمائة ألف من سائر الناس، وزعم بعض أن مقتضى هذا أن ثمانمائة ألف كلهم رسل { وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً } مصدر مؤكد، والمصدر رافع للمجاز من عامله، وهو كلم، لا عن باقى الكلام، كالمسند إليه، أو الإسناد حتى لا يقبل حذف مضاف، أو تأويلا، فالكلام حقيقة، أى كلم ملك الله، أو خلق من خلقه كلاما حقيقا، أو خلق فى جسد موسى كله أَو بعضه، كلاما حقيقا، أو فى الهواء كذلك، أو حيث شاء، والقرينة أن الله لا يتصف بصفة الخلق تقول، قتل زيد عمراً قتلاً، فقتلا يفيد أن القتل حقيق لا ضرب وجيع، ولا يفيد أن القاتل لا بد زيد، لجواز أن يكون غلامه لقرينة تنصب كقرينة الآية، وهو أنه تعالى لا يتصف بصفة الخلق، ولو لم ينصب قرينة على أنه ضرب وجيع، وعلى ما ذكرت يحمل قول القرآن إن العرب تسمى ما وصل إلى الإنسان كلاما بأى طريقا وصل، ما لم يؤكد بالمصدر، وإن أكد به لم يكن إلا حقيقة الكلام، قلت: أى فلا يقال، أراد الحائط أن يسقط إرادة، فكذا هنا لما أكد كلم بتكليما علمنا أنه كلام حقيق إلا أنه لم يتصف به الله، بل غيره، فيقول الخصم فأين الخصوصية لموسى بالكلام إذا كان المعنى ما ذكرتم، فنقول: لم يقع خلق الكلام فى الهواء أو نحوه مما ذكر على طريق الوحى، إلا له، لكن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم أوتى ما أوتى موسى وزيادة، فتكلم ما خلق الله فيه الكلام تكلما؛ فلا يرد عليه أن التكلم بمعنى خلق الكلام مجاز، فليس كلم فى الآية بمعنى خلق الكلام بل بمعنى تكلم مخلوقه وهو الملك مثلا، لكن قد تأكدا المجاز فى قوله:

بكى الخز من عوف وأنكر جلده وعجت عجيما من خدام المطارف

والمطارف نوع من الثياب، ويجاب بأن البيت من المجاز الملحق بالحقيقة لتناسى التشبيه، حتى إن طائفة من أهل البيان يعدون الاستعارة حقيقة لغوية، ولا شك أنها مبنية على التناهى التشبيه، وأما نحو المسند إليه فإنه يرفع التجوز عنه بنحو العين والنفس وكل، ونحو كلمة الله نفسه أو بذاته، ولا يقال هذا.