التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً
٧٧
-النساء

تيسير التفسير

{ أَلَمْ تَرَ إلَى } المؤمنين { الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ } قال لهم النبى صلى الله عليه وسلم { كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ } عن قتال الكفار فى مكة حين آذاهم الكفار، كعبد الرحمن بن عوف، والمقداد بن الأسود، وهو المقداد بن عمرو، وسعد بن أبى وقّاص، وقدامة بن مظعون، وجماعة يؤذيهم المشركون في مكة فيقولون: يا رسول الله، لو أذنت لنا فى القتال، فيقول لهم: كفوا أيديكم، ثم هاجروا، وأمروا بقتال المشركين، وكرهوا ذلك بالطبع، لا عصياناً أو نفاقاً أو ردة { وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ } وأدوا ما أمرتم { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ } فى السنة الثانية، جواب لما محذوف، أى كرهوه، وقيل هو قوله { إذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } من لبيان الفريق الموضوع موضع الضمير لحكمة التلويح إلى تمييزهم بخشية الناس، كأنه قيل، فريق مغايرهم، هؤلاء الذين قيل لهم كفوا، ويجوز أن يكون قوله إلى الذين قيل لهم الخ مراداً به المجموع أعم من الخاشين، لقوله منهم عل أن من للتبعيض { يَخْشَونَ النَّاسَ } يخشون قتال الناس الكفرة { كَخَشْيَةِ اللهِ } كخشيتهم، أو خشية غيرهم الله أن ينزل صاعقة، أو يرجمهم، أو يخسف بهم أو ينزل عليهم طاعوناً { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } أي أو خشية أشد خشية، فخشية تمييز لأشد، فيكون أسند الخشية إلى الخشية، أى خشية أشد خشية، كقولهم صومه أصوم من صومك، من المجاز العقلى، وأشد معطوف على الكاف إن كانت إسماً، أو على منعوت محذوف، ففتح أشد نصب، أو معطوف على خشية، فالفتح جر، أو المعطوف خشية، وأشد نعته، قدم فكان حالا، أى خشية كائنة كخشية الله، أو خشية أشد من خشية الله، وأو للتنويع أو بمعنى بل، وهما أولى من كونها لتخيير السامع أن يعبر بما شاء من الخشيتين وقيل للإبهام { وَقَالُوا } بقلوبهم، أو مع ألسنتهم، جزعاً من الموت لا ردة أو عصياناً، فلم يوبخوا، أو قالوه سؤالا عن الحكمة { رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ } الآن { لَوْلآَ أَخَّرْتَنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٌ } غير بعيد قبل موتنا، ولم يعطف قوله لولا الخ لئلا يتبادر أنهم قالوا مجموع الكلامين بعطف الثانى على الأول، مع أنهم قالوا أحدهما تارة وآخر تارة، قلت: بل يتبادر ذلك بالعطف { قَلْ } ترغيباً فى القتال وثوابه وعن الدنيا { مَتَاع الدُّنْيَا } تمتعها أو ما يتمتع فيها { قَلِيلٌ } كمية وزمانا ناقص بالنسبة إلى متاع الآخرة { وَالأَخِرَةُ } متاعها { خَيْرٌ لِّمَنِ اتقَّى } موجبات النار، وهى دائمة كثيرة الخير لا كدر فيها، قال صلى الله عليه وسلم: "والله ما الدنيا فى الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه فى اليم فلينظر بم يرجع" ، ويقال: الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن { وَلاَ تُظْلَمُونَ } أى يوفر فيها الثواب لكم ولا تظلمون بنقص من ثوابكم ولا من آجالكم، ولا بزيادة فى سيئاتكم { فَتِيلاً } مقدار ما يكون فى شق النواة، أو ما يفتل بين الأضبعين، ثم يلقى لحقارته، فلا ترغبوا عن ثواب الأعمال ولا تحجموا عن القتال إذ لا يقرب أجلا عن وقته.