التفاسير

< >
عرض

رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ
١٥
-غافر

تيسير التفسير

{ رَفيعُ الدَّرجات } هو رفيع أو مبتدأ خبره ذو، ولو كانت اضافته لفظية أو خبر لذو أو هما، ويلقى أخبار لهو السابق، ولفظ رفيع صفة مشبهة مضافة لفاعلها، ولا مفعول له، لأنه لازم، وفعله رفع بضم الفاء بمعنى علا، والدرجات صفاته وأفعاله، او درجات ملائكته الى عرش سبحانه، وقيل: سمواته لأنها معارج، وفيه أن المتبادر من ذلك أن لا تكون درجات بين السماء والسماء، وبين السماء والعرش، وهو خلاف الظاهر، ولو جاز، ويجوز أن يكون المراد الكتابة عن عزة شأنه، وهو الذى يتبادر الى الفهم، وأن يكون من رفع المتعدى بفتح الفاء صفة مبالغة مضافة الى مفعولها بمعنى أنه رفع درجات من أطاعه، ودرجات الدنيا، ودرجات الآخرة، وهو أنسب بقوله تعالى: { فادعوا الله } [غافر: 14] الخ أو رفع سماء فوق سماء، أو رفع درجات ملائكته الى العرش على ما مر.
{ ذُو العَرْش } ذو الملك، ومنه العرش المحمول، أو هو المراد وهو أنسب بتفسير رفيع الدرجات بعزيز الشأن { يُلقي الرُّوحَ } الوحى وعن ابن عباس القرآن وهما للقلب كروح الحياة، كالرزق للجسد، وفسره بعض بفهم الشريعة، ويبعد تفسيره بجبريل، وعليه فالمعنى أن أن الله ينزل جبريل على من يشاء أنه نبى { مِنْ أمْره } من قضائه أو ملكه، ومن للابتداء، وقيل: بيان للروح، أى هو أمره، ولو فسر الروح بجبريل لكانت سببية، أى لتبليغ أمره، وقيل بأمره { عَلَى مَنْ يشاءُ مِنْ عِبادِه } وهو الأنبياء والرسل، ويتوسط أيضا أتباعهم فى التبليغ داخل المئات، وعلى رءوسها كما روى أبو داود، عن أبى هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" "أن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " أى باحياء ما اندرس من العلم، والعمل بالكتاب والسنة، وما استخرج منهما.
{ ليُنْذر } متعلق بيلقى، والضمير لله، لأنه المحدث عنه، وهو المتبادر، أو لمن يشاء لقربه، ولأنه منذر بلا توسط، ولو كان بتوسط الأتباع، ويبعد عوده للروح أو للأمر { يَوْم التَّلاق } مفعول ثان لينذر، والأول محذوف أى لينذرهم أى العباد، أو لينذر الناس، أو يقدر الباء أى بيوم التلاقى أو متعلق بمحذوف أى الانتقام، أو العقاب يوم التلاقى، وهوتلاقى الخالق والمخلوق، لقوله عز وجل:
" { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل } " [الكهف: 110] وقوله تعالى: " { إن الذين لا يرجون لقاءنا } " [يونس: 7] وقوله جل وعلا: " { وقال الذين لا يرجون لقاءنا } " [الفرقان: 21] وقوله سبحانه: " { إنهم ملاقوا ربهم } " [هود: 29] وقوله تعالى: " { تحيَّتهم يَوْم يلقونه سلام } " [الأحزاب: 44] ونحو ذلك.
وقيل: تلاقى الخلائق فيه، لجريان الكلام على الحقيقة، ونفى توهم استواء الخالق والمخلوق، وقيل التقاء أهل السماء والأرض، وقال ميمون بن مهران: التقاء الظالم والمظلوم، وقيل: التقاء كل أحد وعمله، وقيل: التقاء العابدين والمعبودين، ولا مانع من الحمل على الالتقاءات المذكورة كلها الا أن لقاء الله مجاز، ومر كلام فى الجمع بين الحقيقة والمجاز.