التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ
٦١
-غافر

تيسير التفسير

{ اللهُ الَّذي جَعَل لَكُم الليْلَ } باغاثة الشمس { لتسْكُنوا فيه } عن الحركة الحسية كالعمل باليدين والرجلين، والحركة المعقولة كحركة القلب، ونظر العين، وهو جامع ضوء البصر، وفى النوم قطع اشتغال القلب عن العمل، فان اشتغاله عمل منه، وتقوى الحواس وسائر البدن بذلك السكون، وناسبه برودة الليل غالبا.
{ والنَّهار مُبْصراً } مصيرا للناس باصرين، وهو متعد، أسند الإبصار اليه لأنه ظرف للنظر، أو سبب له، ولم يقل جعل لكم الليل مسكنا بوزن مبصرا، ولم يقل والنهار لتبصروا فيه كما قال: { لتسكنوا فيه } فيستوى الكلام فيهما، لأن نعمة النهار أعظم من نعمة الليل، فبولغ فيه، بأن جعل الابصار ساريا فى أجزاء النهار كله، فلم يقل لتبصروا فيه، كما قال: { لتكسنوا فيه } أو لأنهما سواء فدل على فضل الليل بالتقديم، وعلى فضل النهار بتلك المبالغة،فلو قال: لتبصروا فيه لفاتت الفصاحة التى فى الاسناد المجازى الموجود فى مبصرا، وقيل: لو قيل جعل لكم الليل مسكنا على معنى جعل لكم الليل ساكنا على معنى لا ريح فيه، وهو حقيقة عرفية، فيه أو مجازا بهذا المعنى، أو مجازا باسناد السكون، اليه، لأنه محله، أو سببه لم يعلم المراد الا بمقابلته بقوله: { والنهار مبصراً } أو صرح بالسكون فى الليل، لأنه مراد، وعلة بالذات، ورمز بالإبصار فى النهار، لأن العلة ابتغاء الفضل كما فى آية أخرى، أى تستعملون أبصاركم لابتغاء الفضل، وقيل: المراد جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه، والنهار مبصرا لتبتغوا من فضله بالتحرك، فحذف من كل واحد ما يناسب ما ذكر فى الآخر احتباكا.
{ إنَّ الله لذُو فَضل } عظيم لا يوازيه فضل، ولو قال إن الله متفضل لم يفهم هذا المعنى منه { على النَّاس } كلهم بصحة الأبدان، وبالأرزاق، وجميع مصالحهم، الا أن المؤمن يشكر ذلك بالطاعة، والكافر يكفرها بالمعصية، وهو الأكثر { ولكن أكْثر النَّاس لا يَشْكُرون } الله على فضله بالايمان، والعمل لجهلهم، أو لاتباع الهوى، وأظهر الناس ليدل رسوخ الكفر فيهم، كأن علته كونهم ناسا.