التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢١
-فصلت

تيسير التفسير

{ وقالوا لجُلودهِم لِمَ شَهدتُم عليْنا } خصوا الجلود بالسؤال لكثرة أجزائها الشاهدة على صاحبها،المدافع عنها، فكنت شهادتها أعجب وأنسب للسؤال، أو تخصيص، بل الجلود يعم السمع والبصر، بمعنى موضعهما، وان أريد نفس قوة السمع والبصر لا محلهما، فانما خصوا الجلود بالسؤال، لأنها ترى بخلاف السمع والبصر، بمعنى ما أودع فى الجارحتين، ولأن هذا المودع فيهما لا يدرك العذاب، بخلاف الجلود فانها تدركه كما يشعر به قوله تعالى:" { كلما نضجت جلودهم } " [النساء: 56] الخ وصيغة العقلاء فى شهدتم، وقوله عز وجل:
{ قالُوا أنْطَقنا الله الذي أنْطَق كلَّ شيءٍ } لأن الله عز وجل جعل لها العقل، أو لوقوعها فيما هو من شأن العقلاء، وهو السؤال والجواب، وقيل: ليس السؤال سؤالا ينتظر له جواب، بل مطلق تعجب، ومع ذلك أجيبوا بالنطق كنطق اللسان، بأن شهادتنا ليست بأعجب من إنطاق الله الذى أنطق كل شىء، والمراد بكل شىء كل ما نطق نطقا حقيقا، كالملك والأنس والجن، وما أنطق الله تعالى من الحيوانات، مع أن لهن نطقا غير نطقنا، وما أنطق الله تعالى من الجماد لا كل شىء على العموم، وذلك كقوله تعالى:
" { والله على كل شيء قدير } " [البقرة: 284] فانه لا يقال: الله قادر نفسه ولا على المحال كما لا يقال عاجز عن ذلك، وقوله تعالى: " { تدمر كل شيء بأمر ربها } " [الأحقاف: 25] فانها لا تدمر كل شىء على العموم.
{ وهو خَلَقَكُم أول مَرة وإليْه تُرجَعُون } فكيف لا يقدر على انطاقنا، هذا آخر كلام الجلود، أو آخره من الخاسرين، وقيل آخره أنطق كل شىء، وإذا كان هذا من كلام الله لا من كلامهما يقوله الله لهم يوم القيامة لقوم عاد وثمود، أو لأهل مكة أو الكفرة كلهم، فمعنى { إليه ترجعون } مع أنهم فى المحشر رجوعهم اليه بالحساب والنار والخلود، لا ما يشمل البعث، الهم إلا باستحضار ما مضى من البعث، وجعل المضارع للتجدد، ويجوز أن يراد البعث الماضى استحضارا لصورته، والواضح أن ذلك من كلام الجلود والبحث كذلك، لأنها تقول ذلك بعد البعث، وأما أن كان من كلام الله لكفار مكة أو للكفار مطلقا يوم القيامة فلا اشكال، والمراد بالرجع البعث.