التفاسير

< >
عرض

لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١٢
شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ
١٣
-الشورى

تيسير التفسير

{ لهُ مَقاليد } مفاتيح { السماوات والأرض يبْسطُ الرِّزق لمنْ يشاءُ } له البسط { ويقدر } يضيقه عمن يشاء التضييق عنه { إنَّه بكلِّ شيءٍ عليمٌ } فأفعاله كلها حكمة، وهذا تعليل لما قبله من البسط والقدر، لأنه بكل الخ وتمهيد لقوله:
{ شرَع لَكُم منَ الدِّين ما وصَّى به نُوحا والَّذي أوحَينا إليك وما وصَّيْنا به إبراهِيم ومُوسَى وعِيسَى } فان شرعه ذلك من كمال علمه وحكمه، وخص هؤلاء بالذكر لشهرتهم لعل الكفار يميلون الى ما جاءوا به من التوحيد وتوابعه ولأنهم أولوا عزم، وأصحاب شرائع مشهورة والأتباع الكثيرة، وفى تقديم هذه الأمة وخطابها فى قوله تعالى: { شرع لكم } تشريف لها ولنبيها صلى الله عليه وسلم، وكذا فى ذكره صلى الله عليه وسلم بالايحاء بعد ذكر التوصية، وقيل: ذكر ابراهيم وموسى وعيسى بالتوحيد للتصريح برسالته صلى الله عليه وسلم القامعة لمنكريها، وأكد الايحاء بنون العظمة تشريفا له ولكتابه، وناسب ذلك تعبيره بالذى التى هى أصل الموصولات، وعبر فى غيره بما، وفى تقديم لكم إيماء الى أن ما أوحى الى نوح موحى به الى النبى صلى الله عليه وسلم، لأن الرسل قبله نائبون عنه، وهو أو الرسل بهذا الاعتبار.
{ أنْ أقيمُوا الدين } إيتوا به قائما على الدوام، أو مستقيما لا خلل فيه، وأن حرف تفسير لشرع، إذ فيه معنى القول، ومن العجيب أن تجعل مصدرية مخففة أو خفيفة، مع أن مدخولها انشاء لا خارج له يراد بالمصدر، معنى اقامة الدين التوحيد والعبادة، والايمان بالكتب والرسل والبعث، وشمل ذلك الأصول وما أمروا به من الفروع، وأما غير ذلك فقد قال الله عز وجل:
" { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } " [المائدة: 48] والروع كمكارم والأخلاق بأنها متفق عليها فى الأمم، وكالصلاة والصوم، والتقرب بصالح الأعمال، واللصدق والوفاء بالوعد، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وتحريم الأموال، والزنى والكبر، والظلم والاعتداء على الحيوان، إلا أن صلاتهم ليست كصلاتنا خمس صلوات، وزادتهم ربع المال، وصومهم فى غير رمضان، أو فيه فبدلوه وزادوا وفى المدينة شرع الصوم والزكاة، وقد قيل: المراد باقامة الدين تحليل الحلال، وتحريم الحرام، بحسب ما أوحى اليهم، وقيل: لم يبعث الله نبيا إلا أمره بالصلاة والزكاة بعد التوحيد، وبالألفة والجماعة.
{ ولا تَتَفرَّقُوا فيه } فى الدين بأن يأتى به بعض، ولا يأتى به بعض، ولا يأتى به بعض، أو يأتى بعض ببعضه فقط، أو يزيد عليه بعض، والخطاب فى الموضعين للأنبياء والأمم، فإنها معلومة بذكر الأنبياء، والخطاب فى نفس الأمر للأمم، لأنهم هم الذين يقع منهم عدم الإقامة، ويقع منهم الاختلاف، ويجوز أن يقدر بعد قوله: " عيسى " شرع لأممهم أن أقيموا الدين، وقيل: لم يشرع لآدم إلا التوحيد، ذكر الله، وتحريم الزنى، والظلم، ونحو ذلك، وفى عهد نوح حرمت الأمهات والبنات، وهذا خطأ، فإنها محرمتان على عهد آدم عليه السلام، ولم يشرع الحج لأمة موسى، ومن بعده من الأنبياء، إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، لا للأمم قبل موسى عليه السلام، قال على: لا تتفرقوا، فالفرقة عذاب، والجماعة رحمة.
{ كَبُر على المُشركين ما تَدعوهم إليْه } من التوحيد، ورفض كل معبود سوى الله تعالى، أو من اقامة الدين، وترك مخالفة المسلمين فيه، ولفظ المشركين يدل على الأول، ولكن البعث يدخل فى التوحيد كما قيل لمنكره
" { أكفرت بالذي خلقك } " [الكهف: 37] وسلى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: { الله يجْتَبي إليْه من يشاءُ } إذ تضمن أن من قومك من سيؤمن، ويجتبى يصطفى، وعداه بالى لتضمنه معنى الرد أى يرده اليه عن الشرك، أو معنى الجمع، يقال: جمعت كذا الى كذا، والهاء لله عز وجل، ولو لزم عمل عامل فى ضميرين لمسمى واحد، لأن أحدهما معمول بواسطة حرف الجر، وهو فى القرآن كثير، وكذا الهاء فى قوله: { ويَهْدي إليه مَن يُنيبُ } عائدة اليه تعالى، ومعمولة بواسطة البار مع المضمر المستتر إلى واحد سبحانه وتعالى ومقتضى الظاهر، يهديه لأن المجتبى هو هذا المنيب، ولكن لم يضمر له، لبيان أن الاصطفاء متأثر بالانابة اليه، ومن لم ينب اليه لا يكون مصطفى، ولا تكرير بين الاجتباء والهداية، لأن الاجتباء معناه تمييزه وتشخيصه ليكرم، وبعد ذلك إكرامه بالهدى.
وقيل: هما فريقان مصطفون، وهم أفضل، ومنيبون، ويجوز عود الهاء فى الموضعين لما فى قوله: { ما تدعوهم إليه } فيتفق مرجع الضمائر وهو الهاءات فى اليه المواضع الثلاثة، ويجوز عوده الى الدين فى قوله: { أن أقيموا الدين } فيتفق مرجع هاء فيه، وهاء اليه فى الموضعين الأخيرين، وفيه مناسبة لفظية، وهى اتفاق هاء فيه، وهاء اليه فى الموضعين الأخيرين، ومعنوى هى اتحاد المجتمع عليه، والمتفرق فيه، والكلام هو فى عدم التفرق فى الدين، فناسب الجمع والانتهاء اليه، وقيل ما وهاء اليه فى قوله: " ما تدعوهم اليه" الرسالة، أى ماتدعوهم الى الايمان به وهو الرسالة، وهو خلاف الظاهر بلا دليل، ولو صح فى المعنى، وهاء اليه فى الموضعين الأخيرين لله رد عليهم.