التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ
٢٣
-الشورى

تيسير التفسير

{ ذلك } الفضل الكبير، أو ذلك الذى عبر عنه بالفضل الكبير، وهو الثواب { الَّذي } خبر { يبشِّر الله عبادَهُ الَّذين آمنُوا وعَمِلوا الصالحات } به فحذف الرابط، والحرف معه دفعه لظهور المعنى كما هو قول، وعلى ما شهر من اشتراط جر الموصول بمثله وتعليقه بمثل متعلقه، كقوله: وبشرب مما تشربون، يحذف الجار، وينتصب مجروره انتصاب المعفول به، الصريح، فيحذف قيل، ويجوز أن تكون الاشارة الى التبشير، ورابط الموصول ضمير محذوف هو مفعول مطلق أى يبشره كما تقول: القيام قمته، وفيه ضعف، لأنه لا دليل على أن لفظ ذلك واقع على التبشير، ولو قلت ذلك الذى ضربته، وأردت ذلك الضرب الذى ضربته، لم يفهم عنك، فلم يقبل فلا تغفل، ولا يلزم استحضار أن ما تقدم تشير للمؤمنين، فيكفى دليلا، ولما لم يوجد الرابط إلا بما تقدم من التقدير، ولا سيما أن النصب على نزع الجار، لا يحسن تعمده، أو التخريج عليه الا الضرورة، ادعى بعض أن الذى هنا حرف مصدر، وأن المعنى ذلك تبشير الله، وليس كذلك.
{ قل } يا محمد لقريش على الصحيح، وقيل: للأنصار، وقيل: للناس كلهم، يحب بعض بعضا لقرابة النسب بينهم { لا أسألُكم عَليْه } على القرآن، أو على التبليغ والبشارة للمؤمنين ولغيرهم إن آمن، والأولى الاقتصار على التبليغ { أجراً } عوضاً من مال جاه أو نفع ما { إلا المودَّة } أن تؤدونى أى تحبونى فيؤثر فيكم تبليغى { في القُربى } لأجل القربى أو بسببها، وهى قرابة النسب إن لم تراعوا أخوة النبوة فلا أقل من أن تراعوا حق النسب، وتحفظوبى، ولا يكن غيركم من العرب أولى بنصرتى منكم، وقيل إلا محبتكم فى أهل بيتى، وفى على هذا للظرفية المجازية، والقربى بمعنى الأقرباء، والجار والمجرور حال أى ثابتة فيهم ممكنة، وعلى السببية تتعلق بمودة، وقيل مثل ما مر، وقيل المعنى الا محبة بعضكم للقرابة، وقيل إلا التقرب الى الله بالعمل الصالح.
قال ابن عباس رضى الله عنهما: إلا رعاية حقوقى لقرابتى، كما روى البخارى ومسلم، قال ابن عباس: لا بطن فى قريش إلا وفيهم قرابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، جمع قريش ما لا ليرشوه صلى الله عليه وسلم على ترك ما يأتيهم به من دين الله، فنزلت الآية، وقيل: أتاه الأنصار بمال ليستعين به على ما ينوبه فنزلت الآية، فرده على أن الآية مدنية، وأما على أنها مكية فأرسلوه اليه فى احدى العقبات الثلاث، وفى الأنصار قرابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم أخواله، فان أم عبد المطلب سلمى بنت زيد النجارية منهم، وكذا أخوال أمه آمنة من الأنصار، وقد قيل قرابته فى جميع العرب، لأنهم إما عدنانيون ومنهم قريش، وإما قحطانيون ومنهم الأنصار وقضاعة، وفى الترمذى والنسائى، عن زيد بن أرقم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" "أذكركم الله تعالى في أهل بيتي" والناس مكلفون بمودة أهل البيت إلا من بان شره، فان الناس فى دين الله سواء، وحق الله أعظم، وقد قال لهم: " لا يأتني الناس بأعمالهم وتأتوني بنسبكم" وفى الترمذى، والطبرانى، والحاكم، والبيهقى، عن بن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحبوا الله لما يغدوكم به من النعم، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي" .
وروى ابن حبان، والحاكم، عن أبى سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا أدخله الله تعالى النار" وفيه اشارة الى الجورة من بنى أمية، لأن لهم طعناً شديداً فى بنى هاشم، وظلموهم حتى انتقم الله منهم، فتفرقوا، وكان لهم الملك فى أندلس بعد ذلك ألف شهر، وروى أحمد، والترمذى والنسائى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "والله لا يدخل قلب امرىء مسلم ايمان حتى يحبكم الله تعالى ولقرابتي" والخطاب للقرابة، وقيل وجوب حبهم منسوخ، ولا يبغض أحد منهم إلا لموجب، والاستثناء منقطع، لأن المحبة ضرورية ليست مما يكتسب، ويجعل أجرة وإن اعتبرت مقدماتها الاختيارية، كانت متصلا، وقيل: الاستثناء منقطع مطلقا، وان المحبة لا يصح أن تكون أجرا، قيل: وجبت مودة قرابته فى مكة، بدلت بمحبة الأنصار له ولهم، ونزل: " { قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله } " [سبأ: 47] فهذه الآية ناسخة لآية السورة، فألحقه الله تعالى بالأنبياء قبله فى عدم الأجرة على الدين، كما قال نوح: "وما أسألكم عليه من أجر" إلخ.
قلت: لا يصح أنه أجيز له صلى الله عليه وسلم أخذ الأجرة، فضلا عن أن تنسخ، والاستثناء منقطع، وعلى الاتصال يكون من تأكيد المدح بما يشبه الذم، أى أن سألت أجراًً فما هو إلا أن تحبوا أهل بيتى، حبهم ليس أجرا بل أمر لازم لكل أحد، كقوله: ولا عيب فيهم الخ، وقال:
" أذكركم الله فى أهل بيتى، أذكركم الله فى أهل بيتى" ومن أهل بيته نساؤه، ولكن المراد آل على، وآل عقيل، وآل جعفر وآل عباس، وفاطمة، وقيل: بنو هاشم، وبنو المطلب، ومن زل من آله فهو كغيره فى أن يزجر ويعاب، وحق الله عز وجل أولى.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن القربى فى الآية فقال:
" "على وفاطمة وأبناؤهما" رواه البخارى، وأحاديث الباب كثيرة، وفى بعض إسنادها بعض الشيعة، وقد يأمر الانسان باحترام قوم ويريد ذلك مقيدا بعدم الزلة بعد، وكثيرا ما نلقى من هو من ذلك النسب. من أهل فاس، أو سائر المغرب الاقصى، وهو مقارف للكبائر مصر عليها، فأى حق لهذا.
{ ومَن يقْتَرف } يكتسب { حَسنةً } أى حسنة كانت، ولا سيما حب النبى صلى الله عليه وسلم وآله، فان ذلك لحب التوحيد، وقال ابن عباس: الحسنة المودة فى قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الآية نزلت فى أبى بكر رضى الله عنه لشدة محبته لأهل البيت { نَزد لهُ فيها حُسْناً } أى زينة بمضاعفة الثواب، فانها تزدان بمضاعفته { إن الله غفورٌ } للذنوب { شَكورٌ } مُجازٍ للمطيع بثواب طاعته، والزيادة عليه.