التفاسير

< >
عرض

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ
٢٩
-الشورى

تيسير التفسير

{ ومِنْ آياته خَلْق السَّماوات والأرض } العظام جسما وثقلا بلا تعمد على علاقة من فوق، أو شىء من تحت، وان كان فلابد لتلك العلاقة مما تتعلق به، وللعمدة تحت مما تعتقد عليه، فيتسلسل، والتسلسل لا يجوز { ومَا بثَّ فيهما } عطف على السموات، أى وخلق ما بث، أو على خلق أى ومن آياته ما بث، وما اسم لا مصدرية كما يدل له قوله تعالى: { مِن دابَّةٍ } لأن من لبيان المبثوث الذى بثه فيهما لا للمصدر الذى هو البث، لأن البث غير دابة، وان أولته بالمبثوث أغناك عنه، جعل ما اسما واقعا على المبثوث، أى الذى بثه فيهما من دابة على التوزيع فدواب السموات الملائكة، ودواب الأرض الانس والجن وسائر ما يمشى على الأرض لأن الملائكة والطير كما تطير تمشى.
ولا مانع من أن تكون دواب فى السماء كدواب الأرض من غير الملائكة لا نعلمها كما قال الله تعالى:
" { ويخلق ما لا تعلمون } " [النحل: 8] وتخصيص الدابة فى سورة البقرة بدواب الأرض، لا يوجب تخصيص ما هنا بها كما قيل بذلك، وقيل: الحكم على المجموع، كقوله تعالى: " { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } " [الرحمن: 22] وقيل: اطلاق الدابة على الانسان والجن بعيد فى عرف اللغة، فكيف على الملك، قلنا لا بعد فى ذلك، وأهل اللغة يستقر به وعظمة الله عز وجل يهون كل شىء فى مقابلتها، مع أنه لا إهانة فى الوصف بالدبيب، فعم هنا لبيان كمال القدرة، وخص فى سورة البقرة قصدا الى ما هو معروف عند المعاند والمسترشد، وقد قيل: فى السماوات مراكب أهل الجنة، وقيل: السماوات جهات العلو طبقة فوق طبقة، أو جوانب فيها دواب لا تنزل الى الأرض، وهو خلاف الظاهر، ولا تفسر به الآية لعدم الحاجة اليه، ولو صح كما قيل: إن فى الجو بحرا، وان طائرا اصطاد منه حوتا، ولا بأن السماوات السحاب، وأن فيهن دواب، ولا بأن المراد بالدابة الحى اطلاقا للمقيد على المطلق، أو للملزوم على اللازم، أو المسبب على السبب من حيث أن الحياة سبب للدبيب، لأن ذلك خلاف الظاهر ولا دليل عليه.
{ وهُو عَلى جَمْعهِم } فى الموقف للحساب بعد، لا يخفى عنه حتى لا يبعثه، ولا يقر أحد عن الموقف بعد البعث، وقد دارت على أهل الموقف الملائكة سبعا، والهاء للناس المعلومين من مقام الانذار والاستدلال، والرد، وقيل للدواب، وقيل للسماوات والأرض وما فيهما على التغليب { إذا يَشاء } جمعهم إذا للاستقبال، والمضارع له أى فى الوقت الآتى وهو مشيئته، ودخول اذا على المضارع جائز، ولو لم تخرج عن الشرط، قال:

واذا ما أشاء أبعث منها آخر الليل ناشطا مذعورا

{ قديرٌ } لا يعجر، وجواب اذا أغنى عنه هو قدير، أى على الجمع.