التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ
٣
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ
٤
-الدخان

تيسير التفسير

{ إنَّا أنْزلناهُ } أى أنزلنا الكتاب الذى أنزلناه وأقسمنا وهو القرآن، والقسم بالشىء على نفسه جائز كقولك: والله ان الله هوالحق { في ليلة مباركة } أكثر الله فيها الخير وأثبته، وهى ليلة القدر عند الجمهور وهو الصحيح، وليلة القدر فى رمضان، وقيل: الليلة المباركة ليلة النصف من شعبان، وتسمى الليلة المباركة، وليلة الرحمة، وعن ابن عباس: إن الله تعالى يقضى الأقضية ليلة النصف من شعبان، ويسلمها الى أرباها ليلة القدر، وتسمى أيضا ليلة الصك، وليلة البراءة، لأن قابض الخراج اذا استوفاه كتب لهم براءات كبراءات الدون المقضية، وبراءة الجانى إذا تخلص، وقولهم: براوات خطأ.
سأل صلى الله عليه وسلم ليلة الثالث عشر من شعبان فأعطى ثلث أمته، وليلة الرابع عشر فأعطى ثلثيها، وليلة الخامس عشر، فأعطى الجميع إلا من شرد على الله شراد البعير، قال على بن أبى طالب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيه لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر" ومعنى نزول الله سبحانه وتعالى نزول ملك يقول عن الله تعالى، روى ذلك الحديث ابن ماجه والبيهقى.
قالت عائشة رضى الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عند شعر غنم طالب" رواه الترمذى، والبيهقى، وابن ماجه، وابن أبى شيبة، ومعنى نزوله نزول رحمته، ومعنى انزال القرآن فى اليلة المذكورة فى الآية انزاله جملة الى البيت المعمور، فى السماء الدنيا، وهو مسامت الكعبة، وكان ينزل به جبريل شيئاً فشيئاً فقيل: كان ابتداء الوحى مناما فى ربيع الأول، وبعد ذلك نزل أول القرآن نزولا، وهو: " { أقرأ باسم ربك الذي خلق } " [العلق: 1] فى يوم الاثنين لسبع عشرة مضت من رمضان، أولسبع منه أو لأربع وعشرين منه، ومضت ثلاث سنين بعد نزول: { اقرأ باسم } فنزل " { يا أيها المدثر } " [المدثر: 1] وفضل الأزمنه والأمكنة لذاتها، أو لما يقع فيها من الأعمال، أو يحل فيها، قولان ثالثهما أنه يجوز بعضها لذاته، وبعضها لخارج، ومن ذلك قبره صلى الله عليه وسلم فانه أفضل من الكعبة والعرش والكرسى، لحلوله فيه تعالى الله من الحلول فى العرش أو الكرسى أو غيرهما، أو فى زمان، ويدل على أن الفضل بالذات فى حكم الله تعالى، أن الله سبحانه وتعالى اختار أزمنة وأمكنة للعمل أو الحلول قبل أن يكون العمل أو الحلول، وهو حكيم لا يهمل أمرا ولا يعبث.
{ إنَّا كنَّا مُنْذرين } من شأننا وحكمتنا الانذار تخويفا بالعقاب لا الاهمال، ولذلك كان انزال الكتاب، فهذا عائد للانذار وقوله:
{ فيها يُفْرقُ كل أمر حَكيمٍ } عائد لليلة، سواء جعلناه نعتا ثانيا لليلة، أو مستأنفا، أو جواب القسم، وإنا انزلناه الخ معترضا أو جوابا ثانيا للقسم، كما يتعدد الخبر بلا عطف ولا ابدال ولا تأكيد، فيكون الاقسام على المجموع، وعليه فيجوز أن يكون { إنا كنا منذرين } جواب القسم، فيحصل له ثلاثة أجوبة، وكما كان الله منذرا كذلك، كان مبشرا إلا أن المقام للانذار لشدة كفرهم واصرارهم.
ومعنى يفرق يلخص ويفصل للملائكة خارجا بعد أن كان فى اللوح مستورا مخلوطا بغيره، ومعنى حكيم محكم لا يبدل أو يغير بعد ابرازه للملائكة، وأما قبله ففى اللوح يمحو منه ما يشاء ويثبت، كذا قيل، وفيه أنه يقع النسخ بعد الابراز والنزول، أو حكيم بمعنى محكوم به، أو ملتبس صاحبه بالحكمة، أو ذو حكمة كتامر ولابن، يكتب فى ليلة القدر عند الحسن وغيره، وفى ليلة النصف من شعبان عند عكرمة وغيره، ولكل سنة ما يقع فيها من رزق أو حياة أو موت، أو مطر أو حاج ومعتمر، وأجل وتزوج، وطلاق وصلح، وفتنة وحرب، ومرض وصحة، وآفة وعافية وغير ذلك، ولا يزاد على ذلك ولا ينقص، وان الرجل لينكح ويولد له، وقد خرج اسمه فى الموتى، وتدفع نسخة الأرزاق الى ميكائيل، ونسخة الحروب والزلزال والصواعق والخسف الى جبريل، ونسخة الى اسماعيل صاحب السماء الدنيا، وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، وعن ابن عباس: تقضى الأقضية كلها ليلة النصف من شعبان، وتسلم الى أصحابها ليلة السابع والعشرين من رمضان، والصحيح أن الليلة ليلة القدر، نعم قيل: ليلة القدر ليلة النصف من شعبان، ولا نقول به.