{ وقالوا } أى الكفرة، أو من اتخذ باعتبار معناه، كما أفرد قبل ذلك نظرا للفظة { ما هِي } أى ما الحياة أو ما الحالة { إلاَّ حَياتنا الدنيا } مجردة عن الحياة بعد الموت { نموتُ ونَحْيا } يموت الحى منا ويولد الحى فيحيا، ثم موت، وهكذا أو عطفت الواو السابق فينا اللاحق، أى نحيا ونموت، أو نكون نطفا وما بعدها، وينفخ فينا الروح، ونكون أحياء، وقيل: أرادوا بالحياة بقاء النسل، أى نموت بأنفسنا ونحيا بحياة أولادنا، وقيل: نموت بالأجساد ونحيا بالأرواح، وهو قول تناسخ الأرواح، يخرج روح إنسان ويدخل فى جسد انسان آخر فى البطن، أو فى بغل أو حمار وغيرهما، ويخرج من حمار، ويدخل فى حمار آخر أو بغل، أو فى انسان، وفى جميع ذلك يقولون لا بعث، { وما يُهْلكنا إلاَّ الدهْر } أى طول الزمان وهو أخص من الزمان، وقيل: الدهر فى الأصل اسم لمدة العالم من مبدإ وجوده الى انقضائه، ثم يعبر به عن كل مدة كثيرة، والزمان يقع على أقل قليل وما فوقه، ودهر كل شىء عمره، ومعنى الآية انما يهلكنا الدهر، لا ملك الموت، وهم منكرون لملك الموت، ويسندون الحوادث الى الدهر، وهم معترفون بوجود الله تعالى، وليسوا بالدهرية الذين ينكرون وجود الله تعالى، ويسندون الحوادث الى الدهر، ولا يبعد أن يكون الزمان عندهم مقدار حركة الفلك، كما قال معظم الفلاسفة، وفى مسلم عنه صلى الله عليه وسلم: " لا يسب أحدكم الدهر فإنَّ الله هو الدهر" يعنى أن ما تنسبونه الى الدهر من الحوادث وتسبونه لأجلها ليس فعلا له بل لى.
وروى أبو داود والحاكم، عنه صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل: " يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر، أقلب ليله ونهاره" أى أن الفاعل لا ما تنسبون فعله الى الدهر، ومعنى يؤذينى يفعل ما نهيته عنه، وذلك أن مخالفة الناهى فى الجملة تضر الناهى بالغيظ والحزن، وتغيير القلب تعالى الله عن ذلك، وروى الحاكم: يقول الله عز وجل: "استقرضت عبدي فلم يقرضني وشتمني عبدي وهو لا يدري يقول وادهراه وأنا الدهر" أى أنا الخالق لما تشكون منه لا الدهر، وروى البيهقى: " لا تسبوا الدهر قال الله عزّ وجل: أنا الليالي والأيام أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك" وعبارة بعض أن الآتى بالحوادث هو الله، فاذا سببتم الدهر على أنه فاعل وقع السب على الله، قلت: ما ذكرته أولى، وقد لا يسب الدهر من يعرف أن الله تعالى هو الآتى بالحوادث، فيكون فاسقا، بالجزع بما أجرى الله عز وجل فى الدهر، وسب الدهر كبيرة، ومن سب الله أشرك.
وظاهر ما ذكر أن من سب الدهر فقد سب الله، وأن من سبه أشرك لأنه سب الله عز وجل، وقال الشافعية: مكروه، وان كان السب لعنا أو ما هو بمنزلته فقد جاء أنه من لعن ما لا يستحق اللعن، رجعت عليه اللعنة، فهو فاسق ولو لم يرد الا الزمان، ومن اعتقد تأثير الدهر مستقلا عن الله سبحانه، فهو مشرك.
{ وما لَهُم بذلك مِن علِمٍ } لا علم لهم مستندا الى عقل أو نقل بذلك المذكور من أنه لا حياة بعد الموت من هذه الحياة، وأنه انما يهلكهم الدهر { إنْ هم } فى ذلك { إلاَّ يظنُّون } تقليداً.