التفاسير

< >
عرض

حـمۤ
١
تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
٢
إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لأيَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ
٣
وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
٤
-الجاثية

تيسير التفسير

{ حم * تنزيلُ الكتاب من الله العَزيز الحَكيم * إنَّ فى السَّماوات والأرض لآياتٍ } دلالات على وحدانيته قال تعالى، وقدرته على البعث { للمؤمنين } إن فى خلق السماوات والأرض، فحذف المضاف كما ذكر، وصرح به فى آية أخرى، وكما ذكر فى قوله عز وجل:
{ وفي خَلْقكُم } والقرآن يفسر بعضه بعضا ولا يلزم ذلك، بل فى نفس السماوات والأرض آيات، إذ ثبتتا بلا أعمدة، ولا علاقة مع ثقلها وسعتهما، وهذا دليل عظيم على قدرته تعالى، وهذا أولى، أو يراد أن فى ما اشتملتا عليه آيات كالشمس والقمر، والنجوم والجبال، والمعادن والتحور والشجر، وإذا قدرنا فى خلق السموات والأرض وأريد ذلك باعتبار ما فيهما كان قوله: { وفى خلقكم } عطف خاص على عام فيما قيل: { وما يُبثُّ مِن دابَّةٍ } عطف على الكف، أى وفى خلق ما يبثه من دابة على جواز العطف على ضمير الجر بلا إعادة للجار، واختاره أبو حيان، ولا سيما أن الجار هنا الاسم، وأن الضمير هنا مفعول به تقديراً، وقد اختار بعضهم العطف على الضمير المجرور بالمضاف مطلقا، وباعتبار أن الانسان دابة يكون عطف عام على خاص، كما شمل الانسان فى قوله تعالى:
" { وما من دابة في الأرض ولا طائرٍ } " [الأنعام: 38] وغيره.
ويجوز أن تكون ما مصدرية، أى وفى بثه كذا قيل، ويتعطل عليه قوله: { من دابة } إلا بتكلف أن من للابتداء، أى يحصل الله البث من جهة الدابة، وعلى المنع من العطف على ضمير الجر إلا مع اعادة الجار يكون العطف على خلق، أى وفى ما يبث من دابة على تقدير مضاف، أى وفى خلق ما يبث أو بلا تقدير، فيكون المعنى: إن فى ما يبث من دابة آيات من حيث اختلاف صوره وألوانه، وكثرته، واختلاف طبائعه وإدراكاته وأعماله ورزقه، وغير ذلك، أو ما منصوب عطفا على محل المضاف اليه، لأنه مفعول به أضيف اليه مصدر، وفى خلقكم خبر للمبتدأ فى قوله سبحانه وتعالى: { آيات لقوم يُوقنون } من شأنهم الايقان بالأشياء على ما هى عليه، وانما قال هنا: { يوقنون } وفيما قبله { للمؤمنين } وفيما بعده { يعقلون } لأن المنصف اذا نظر فى السماوات والأرض النظر الصحيح، على أنها مصنوعة إذ لا صنعة بلا صانع، وأن من صنعها ليس من جنسها، ولا من جنس غيرها، وإلا كان محتاجا الى صانع فآمن بالله تعالى، ولا جنس له حاشاه وأقرَّ به، واذا نظر الى خلق نفسه وسائر الدواب، وتنقل ذلك من حال ازداد ايمانا، وأيقن وزال عنه اللبس.
وإذا نظر الى سائر الحوادث المتجددة فى كل وقت، كاختلاف الليل والنهار، ونزول الأمطار، وحياة الأرض بعد موتها، وتصريف الرياح جنوبا وشمالا، وقبولا ودبورا، وشدة وضعفا، وحرارة وبردة، وعقل واستحكم عقله، وخلص يقينه، وتنكير الآيات فى المواضع الثلاثة للتعظيم، ووجه آخر أن المراد ان كنتم مؤمنين فافهموا هذه الدلائل، والابل طلبتم الجزم واليقين فافهموا هذه الدلائل، وان لم تكونوا من أهل الايمان، ولا من أهل اليقين، فلا أقل من أن لكم عقولا تستعملونها فى هذه الدلائل والايمان مرتبة خاصة فى الايمان والعقل المؤيد بنور البصرة مدار للايمان والايقان، فجعل لخلوص الايقان من اعتراء الشكوك من كل وجه، وفى استحكامه كل خير.
ولا يلزم أن تكون الآية الثانية أعظم من الأولى، ولا الثالثة من الثانية، لأن الجامع بين النظرين موقن، وبين الثلاثة عاقل، ونظر الانسان فى نفسه، والدواب أدخل فى نفى الشك للقرب والتكرار، وكثرة العدد، والتوافق فى الجنس، إلا أن المؤانسة والألفة قد تعطلان تجدد النظر، وعلى كل حال السموات والأرض أتم دلالة على القدرة، والنظر الى الاختلاف المذكور فى الآية بعداً دل على استحكام الايقان المتجدد حينا فحينا، والمغايرة بين ما هنا وما فى سورة البقرة للتفنن.