التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٩
مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١٠
-الجاثية

تيسير التفسير

{ وإذا عَلم من آياتنا شيئاً } بأن سمع منها شيئا { اتَّخذها } أى الشىء، وأنثه لأنه آية { هُزواً } صيرها نفس الهزؤ مبالغة أو مهزوءا بها، ومعنى اتخذها هزؤا تكرير الهزؤ بها فهو أبلغ من أن يقال، واذا علم من آياتنا شيئا هزأ بها قبل التأمل، وبعد التأمل فيما يعيبها به، والهزؤ اللعب بها، واحتقارها، والتكذيب بها، والجدال فيها بالباطل، كما اعترض ابن الزبعرى: " { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } " [الأنبياء: 98] بأن الملائكة وعيسى وعزير عبدوا من دون الله، فهم حصب جهنم، ويجوز عود ضمير النصب الى الآيات كأنه استهزأ بهن كلهن صراحا حين استهزأ بما علم منهن، لأن الاستهزاء بواحدة منها استهزاء بها كلها، لما بينها من الاتفاق بأنهن من الله عز وجل وبالتماثل.
{ أولئك } الأفاكون المصرون بعد السمع، المتخذون الآيات هزؤا والجمع باعتبار معنى شمول كل، والافراد فى يسمع، وعليه، ويصر، وما بعد ذلك باعتبار فرد، واشارة البعد لبعد منزلتهم فى الشر { لَهُم } بسبب إفكهم وإثمهم، وما ذكر بعده { عَذابٌ مُهينٌ } محقر ومذل لهم ضد استكبارهم، ومقابلة لاستهزائهم جزاء وفاقا، ولهذه المقابلة والجزاء المضاد والماثل أخر قوله: { وإذا علم من آياتنا شيئاً اتخذوها هزواً } مع أنه من جملة نعوت الانسان الأفاك، إلا أنه بالعطف وأخبر عن الاشارة أيضا بقوله سبحانه.
{ مِن ورائهم جَهنَّم } من خلفهم لأنهم معرضون عما ينجيهم منها من التوحيد، والعمل الصالح، فهى كالشىء المنبوذ خلف الظهر، كأنه لم يكن، ولأنها بعد الأجل فهى كشىء يتبعهم من خلف، أو المراد من قدامهم جهنم، لأنهم متوجهون اليها لمضى أعمارهم شيئا فشيئا كالسائر الى موضع، أو بالاشتغال بما يقربهم اليها من الشرك وما دونه، ووجه ذلك أن الوراء اسم للجهة التى يواريها الشخص، فعمت الخلف والقدام، فانك موار خلفك عن قدامك، وقدامك عن خلفك، ولكن الأصل أنه بمعنى خلف، فالحمل عليه أولى، وأيضا خفاء ما وراءك وظهور ما قدامك أنسب، والجملة خبر ثان للاشارة.
{ ولا يُغني عنْهم ما كَسَبوا } ما كسبوه من الأولاد والأموال، أو كسبهم { شيئاً } أى إغناء، فهو مفعول مطلق أو لا يدفع عنهم شيئا من الضر، فهو مفعول به { ولا ما اتَّخذوا من دون الله أولياء } مفعول ثان، والأول محذوف، أى وما اتخذوه أولياء، أو ولا اتخاذهم غير الله أولياء، وهى الأصنام، وقيل ومن عبدوا من الملائكة وغيرها، والأولى، لأنهم يتحببون الى الأصنام ويرجونها ما لا يتحببون الىغيرها، ويرجونه للمشاهدة والقرب منها، وكانوا يطمعون فى شفاعتها، لطمعهم فيها، كروت لا مع أن عدم إغنائها أظهر من عدم واغناء الأولاد والأموال، وفى جمعها مع الأولاد والأموال، ونفى اغنائها كأنها شىء يمكن منه النفع تهكم { ولَهُم } فى جهنم التى وراءهم { عذابٌ عظيمٌ } لا يعلم قدره إلا الله.