التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٤
-الأحقاف

تيسير التفسير

{ قُل } يا محمد توبيخا لقومك، وآخر القول صادقين أو كافرين { أرأيتم ما تَدعُون مِنْ دون الله } من الأصنام وغيرها { أروني } تأكيد لا رأيتم وكلاهما بمعنى أخبرونى { ماذا } اسم واحد مركب مفعول مقدم، لقوله تعالى شأنه: { خَلقُوا } والمجموع مفعول ثان معلق عنه بالاستفهام، أو مبتدأ وخبر، وخلقوا صلة ما، والرابط محذوف أى خلقوه، والمجموع مفعول ثان، ومن العجيب جعل ذا زائدة، وما مفعولا مقدما، ومنه جعل ذلك من باب التنازع، لأن الضمير لا يرجع الى الجملة، إلا إن أريد لفظها، والمهمل من المتنازعين لا بد أن يعمل فى ضمير المتنازع فيه { مِن الأرض } من أجزاء الأرض، أو من مظروفات الأرض كمائها او بحارها وأشجارها وجبالها وحيوانها، أو أرض من الأرضين السبع، ومن للبيان متعلق بمحذوف حال من الهاء فى خلقوه المقدرة، أو من ماذا مركبا أو من ذا.
{ أم لَهُمْ } بل ألهم أو ألهم بناء على أن أم المنقطعة استفهامية بدون بل دائما حيث كانت، وعلى كل حال لا بد أن يتقدما كلام، ولو كانت للاستفهام، ولا تكون معادلة كما تكون المتصلة فيقال: هل قام زيد أم قعد، تريد أقعد بالاستفهام، لأن هل لا يؤتى لها بمعادل كما شهر، وذكر الفزى عن ابن مالك أنه أجاز الاتيان بمعادل بعد هل إذا كانت هل بمعنى همزة الاستفهام، وعليه فتقول: هل قام زيد أم قعد، سواء كانت أم متصلة أم منقطعة، ويجوز أن تكون هنا متصلة، وقيل متصلة على تقدير ألهم شرك فى الأرض، أو لهم شرك فى السماوات، وفيه حذف بلا داع، ولا دليل، وليس صحة المعنى دليلا، وانما الدليل ما يوجب الشىء { شِركٌ } شركة مع الله سبحانه.
{ في السَّماوات } السبع ومظروفها أو فى العلويات الشاملة لهن، وللعرش والكرسى انتفت ألوهية ما عبدوا من دون الله تعالى انتفاء بليغا لأنهم لم يخلقوا شيئا فى الأرض، ولا منها فضلا عن العلويات، ولا شركة لهم فيها، وخص انتفاء الشركة فى السماوات بالذكر لانقطاع شبههم بهن إذ لهم صورة تملك فى الأرض وما فيها، وذلك كقول ابراهيم:
" { فأت بها من المغرب } " [البقرة: 258] { ائتوني بكتاب } من الله يبيح عبادة غير الله عز وجل { مِن قبَل هَذا } قبل هذا القرآن النازل بالتوحيد { أو أثارةٍ مِنْ عِلمٍ } بقية من علم مصدر كالضلالة، ومن للبيان وتنكير علم للتبعيض أى باق هو علم من علوم الأولين صحيحة فى اباحة عبادة غير الله عز وجل، تقول العرب: سمنت الناقة على أثارة من لحم، أى على باق منه، أو الأثارة الرواية كما تقول: جاء فى الأثر كذا، قال الأعشى من السريع:

أنا الذى فيه تماريتما بين للســـــــامع والآثر

أى للسامع ومتتبع الأثر بعينيه، أو الأثارة الخاصة من علم يقال آثرة بكذا خصه به أى أثار من علم خصوا بها، أو العلامة، أو علم الرمل كما روى ابن عباس موقوفا ومرفوعا أو أثارة من علم أنها الخط، وعن أبى هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه سلم: "كان نبي من الأنبياء يخط، فمن صادف مثل خطه علم" ، وعن ابن عباس رضىالله عنهما أو أثارة من علم خط كان يخطه العرب فى الأرض، وذلك تشريع لعلم الرمل ان لم يدخل فيه ما لا يجوز فى الدين، وذلك تهكم بهم وبدلائلهم بأى وجه، فسرت الأثارة، أو الأثارة كتابة بالقلم أى شىء مكتوب، والكتابة قديمة لغير العرب حادثة فى العرب، ولا سيما اهل الحجاز فقيل نقلت اليهم من أهل الحيرة، وأهل الحيرة من أهل الأنبار.
وقال الكلبى الناقل للخط العربى من العراق الى الحجاز حرب بن أمية، قدم الحيرة فعاد الى مكة به، قيل لابنة أبى سفيان ممن أخذ أبوك هذا الخط، قال: من أسلم بن أسدرة، وسألت أسلم: ممن أخذته؟ قال: من واضعه مرامر بن مرة، وكان لحمير كتابة يسمونها المسند منفصلة غير متصلة، وكان لها شأن عندهم، فلا يتعاطاها إلا من أذن له فى تعلمها، ويقال: كاتب الأمم اثنا عشر صنفا: العربية، والحميرية، والفارسية، والعبرانية، واليونانية، والرومية والقبطية، والبربرية، والأندليسة، والهندية، والصينية، والسريانية.
{ إنْ كنْتُم صادقين } فى دعوى اباحة الاشراك، ولا تصح أبدا بدليل عقلى ولا نقلى، وصح بطلانها بهما، ولا تقل فى مثل هذا: إن الجواب محذوف دل عليه ما قبله قل ما تقدم أغنى عن الجواب، فان القائل: قوموا ان قام زيد، لا يعنى قوموا ان قام زيد فقوموا، فكيف يقدر ما لا يعنى، ولو ادعيت العناية لزم أن مثل ذلك أبدا مؤكد بالتكرير ولو بغير محل التكرير، ولا تجد من نفسك عناية للمحذوف.