التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٩
-الأحقاف

تيسير التفسير

{ قُل } يا محمد لقومك { ما كنْت بدعاً } مبتدعا عاصفة مشبهة كخف بمعنى خفيف، وخل بمعنى خليل، وطب بمعنى طبيب، وهذا أولى من أن يكون مصدرا مقدراً بالوصف أو بمضاف أى ذا بدع، أو ما كان أمرى بدعا أو مبالغة، وعليها يكون من باب قوله تعالى: " { وما ربك بظلام للعبيد } " [فصلت: 46] { مِنَ الرُّسل } نعت لبدعا، أى مبتدعا اخرج عنهم بأن جئت بما لم يجيئوا، بل ما جئت إلا بالتوحيد الذى جاءوا به، وبالدعاء اليه كما دعوا اليه، وباظهار المعجزات كما أظهروها ليس على من المقترحات شىء، كما أنها ليست عليهم إلا ما خص الله به بعضا، وكانوا يقترحون عليه كقولهم: " { فأتوا بآبائنا } " [الدخان: 36] فأمره الله أن يقول لهم ما كنت بدعا من الرسل.
{ وما أدري ما يُفْعل بي ولا بكُم } فى الدنيا والآخرة على التفصيل الكلى، وأما اجمالاً فقد علم أنه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فى الجنة، والكفرة فى النار، وأن الكل سيموت واما أن يعمل متى يموت أو يموتون، أو كم أنفاسه أو أنفاسهم أو رزقه أو رزقهم، وسائر ما كتب له ولهم، فلا ومن ذلك أن يعلم أنه أيقتل أم لا أو يخرج الى أرض ماء أو نخل رفعت له فى المنام، أم لا وكذا هم، ولا يعلم أنهم مقضى عليهم بالكفر الى أن يموتوا أو بالايمان بعد او يقذفون بالحجارة أو يخسف بهم، ولا يعلم الا ما أخبره الله عز وجل به، مثل: ان ربك أحاط بالناس أى لا يقتلونك، وهو الذى أرسل رسوله بالهدى الخ، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وقال له أصحابه وقد ضجروا: الى متى نكون هكذا فقال لعلى اخرج الى أرض ذات نخل وأشجار رأيتها فى المنام، وقال الله عز وجل:
" { إنَّا فتحنا لك فتحاً مبيناً * ليغفر لك الله } " [الفتح: 1 - 2] الخ فقالوا هنيئاً لك يا رسول الله فما لنا فنزل: " { وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا } " [الأحزاب: 47] وعن ابن عباس: ما يفعل بى ولا بكم فى الآخرة، فالآية قبل نزول قوله تعالى: " { ليغفر لك الله ما تقدم } " [الفتح: 2] الخ وما مات الرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى علم أن الله غفر له، وأنه من أهل الجنة.
وذكر الضحاك أن المراد ما أدرى ما أُومَرُ به، ولا ما تؤمرون به فى التكاليف والشرائع، والجهاد والابتلاء، واختار بعض المحققين أن نفى الدارية من غير جهة الوحى تفصيلية أو اجمالية دنيوية أو أخروية أى لا أدرى الا بالوحى، وأنه ما مات حتى أوتى من العلم بالله تعالى وأفعاله وصفاته، وأشياء يعد العلم بها كما لا ما لم يؤته غيره من العالمين، لما مات عثمان بن مظعون رضى الله عنه، قالت أم العلاء: أشهد أن الله أكرمك طب نفسا أنك فى الجنة فقال صلى الله عليه وسلم مغضباً:
"ما يدريك والله، ما أدري وأنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يفعل بي ولا بكم" فقالت: يا رسول الله صاحبك وفارسك، فقال: " أجل وأنا ما رأينا إلا خيراً وأرجوا له رحمة الله تعالى، وأخاف عليه ذنبه" قال ابن عباس: ذلك قبل أن ينزل { ليغفر لك الله } [الفتح: 2] الخ فقالت، والله لا أزكى بعده أحدا.
وما استفهامية مبتدأ مخبرعنه بالجملة بعده، والمجموع سد مسد مفعولى أدرى علق بالاستفهام، أو موصولة، فالجملة بعدها مفعول به لأدرى متعديا لواحد مثل أعرف، وهذا غير معروف، وأعيدت لا مع أنه لا ايهام بدونها لتأكيد انفراد كل بما يفعل به، عن انس وقتادة وعكرمة، والحسن البصرى: لما نزلت الآية قال المشركون وفرحوا: واللات والعزى أمرنا وأمر محمد واحد، ولو كان ما يقول من الله تعالى لفضله وأخبره بما يفعل به، فنزل:
" { ليغفر لك الله } " [الفتح: 2] الخ، فقال المسلمون: هنيئا لك فما لنا، فنزل: " { ليدخل المؤمنين } " [الفتح: 5] الخ " { وبشر المؤمنين بأن } " [الأحزاب: 47] الخ هذا قبل أن ينزل عليه فى الحديبية غفران ذنبه، وفى البخارى: قسم الأنصار المهاجرين فناب أهل بيت أم العلاء عثمان بن مظعون، وهى ممن بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بمرض، وقالت: أكرمك الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما يدريك؟" قالت: فمن يكرمه غير الله تعالى، قال: "أرجوا له، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي" قالت: والله لا أزكى بعده أحدا يا رسول الله، ورأت له فى النوم عينا تجرى، فقال لها صلى الله عليه وسلم: "ذلك عمله" .
وعن ابن عباس: ضايق المشركون على المؤمنين فقالوا: نخرج الى الأرض التى رأيت، قال: " لا أدري أنخرج إليها، ولا أدري أأخرج كما أخرج الأنبياء أم أقتل كما قتل بعض الأنبياء، ولا أدري أتخرجون معي أم لا أيها المؤمنون ولا أدري ما يفعل بكم أيها المجرمون أترجمون من السماء أم يخسف بكم أو يفعل بكم غير ذلك مما فعل بمن قبلكم، ولا أدري من الغالب" وجاء بعد ذلك: { { هو الذي أرسل رسوله بالهدى } [الفتح: 28] الخ " { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } " [الأنفال: 33].
{ إن أتبعُ إلاَّ ما يُوحى إلىَّ } قولا وفعلا أو اعتقادا لا قدرة لى على ما تقترحونه، وكانوا يقترحون عليه أمورا وعلما بالغيب، وكان المسلمون يستعجلون الخلاص من أذى المشركين، فالآية فى ذلك كله، والأولى اختصاصها باقتراح الكفرة المذكور لقوله عز وجل: { وما أنا إلاَّ نَذيرٌ } بكم بعقاب الله عز وجل، بحسب ما يوحى الى { مُبينٌ } ظاهر بالمعجزات، أو مظهر للحق.