التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ
١
-محمد

تيسير التفسير

{ الذين كَفَروا } بالقرآن عموما، وبرسول الله صلى الله عليه وسلم { وصَدوا } من الصدود، وهو لازم ومعناه العارض أى أعرضوا { عَن سَبِيل الله } لم يعلموا بما أمروا بعمله، ولم ينتهوا عما نهوا عنه من الأقوال والأفعال، ويدل على أنه من الصدود وهو لازم قوله تعالى: " { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله } " [يوسف: 108] أى فأجيبونى اليها، أى لا تعرضوا عنها، مع قوله تعالى: " { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } "[محمد: 2] أى لم يعرضوا فآمنوا وعملوا الصالحات، مقابل عن سبيل الله، وآمنوا بما نزل على محمد مقابل الذين كفروا، ويجوز أن يكون متعديا من الصد فحذف المفعول لعموم، أى صدوا كل من وجدوا، أى دعوه الى الاعراض عن سبيل الله، سواء طاوعهم أو لم يطاوعهم.
ويدل على التعدى قول الضحاك: سبيل الله، بيت الله، كانوا يصدون من قصد بيت الله عنه ممن كرهوا، وأرادوا أخذ شىء عنه، فاذا أعطاهم خلوا بينه وبين البيت، والأولى العموم لا خصوص البيت، والآية عامة لكل من اتصف بالكفر والصد عن سبيل الله، هم اثنا عشر رجلا يصدون الناس عن الاسلام، وقول بعضهم: انهم شياطين من الجن من أهل الكتاب، صدوا عن الاسلام من أراده من الجن وغيرهم، وأما الاطعام يوم بدر الكبرى تقوية للمشركين، فلا يقوى التعدية كما توهم بعض المحققين وابن عباس، فسر الذين كفروا وصدوا بالمطعمين يومئذ، وقيل: اليهود، وقيل: كفار قريش، والأولى عموم من كفر وصدوا، لم يكن الاطعام مقويا للتعدى لأن الذين أكلوا من ذلك الطعام كافرون من قبل الاطعام يستمرون على الكفر، ولو لم يطعموا، نعم المطعمون أشد كفرا وصدا وصدودا من غيرهم.
ويجاب بأن تعميم الآية فيمن أطعم ومن لم يطعم أعظم فائدة. بل لو فسرت بالصدود بلا اطعام، أو بالصد بدونه لدخل المطعم بالأولى، فلا يخفى أن الضال بنفسه دون الضال المضل، والضال المضل دون الضال المطعم، لأنه يضل الناس بنفسه وماله، وفيه أنه لا إضلال فى الاطعام كما مر، إلا أن يراد بالاضلال فى جانبهم التجسير على السفر لغزوة بدر، واول من أطعم أبو جهل، أطعم المشركين يوم خرجوا من مكة الى بدر نحو عشرا من الابل، ثم صفوان بن أمية تسعا بعسفان، ثم سهل بن عمر وبقديد عشرا، ثم شيبة بن ربيعة، وقد تاهوا تسعا، ثم عتبة بن ربيعة عشرا، ثم مقيس الجمحى بالأبواء تسعا، ثم العباس عشرا قبل اسلامه، أو بعد اسلامه، ومن أسلم قبل نسخ الهجرة ولم يهاجر فاسق، وقيل: مشرك، كأنه خرج وأطعم بصورة القهر، ولا يقدر، وكأنه فعل ليشفع فيه صلى الله عليه وسلم ان كان مغلوبا.
وفى رواية أنه صلى الله عليه وسلم وصى به أن لا يقتل، وأنه خرج مغلوبا، وأنه لم يطعم، والحارث بن عمرو تسعا، أبو البحترى على ماء بدر عشرا، ومقيس تسعا، ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من أزوادهم، وقيل: المطعمون ستة: نبيه ومنبه ابنا الحجاج، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل والحارث ابنا هشام، وزاد مقاتل ستة: عامر بن نوفل، وحكيم بن حزام، وزمعة بن الأسود، والعباس، وصفوان بن أمية، وأبو سفيان كل يطعم يوما.
{ أضلَّ } أبطل،
" { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً } " [الفرقان: 23] أو جعل أعمالهم ضلالا غير هدى، أو جعلها ضالة أى غير مهتدية على التجوز فى الاسناد { أعمالهم } من الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بهذا الاطعام، فلم يؤثر بل قتلوا وأسروا، ومن العمل الصالح لم ينجوا بها من ذلك فى الدنيا، ولا يثابوا عليها يوم القيامة، كصلة الرحم، وقرى الضيف، وفك الأسير، وإجارة المستجير، واطعام اليتيم، والهدى، وغير ذلك من المكارم.