التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ
٣٦
إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ
٣٧
-محمد

تيسير التفسير

{ إنما الحياة الدنيا } أمورها { لعبٌ } شبه اللعب وهو ما لا نفع فيه ولا لذة { ولهْوٌ } هو ما فيه لذة غير نافعة للدين ولا للدنيا، لا ثبات لها ولا نفع معتدا به، إلا ما استعمل منها للآخرة، وهى عارية فى يد كل من هى فى يده يحفظها لمن بعده { وإنْ تؤمنوا } بالله ورسوله { وتتَّقُوا } تحذروا المعاصى { يؤتكُم أجُوركُم } ثواب ايمانكم وتقْواكم { ولا يسْألكم أمْوالكُم } كلها، والضمير المستتر لله عز وجل، وهو الظاهر، أو لرسوله صلى الله عليه وسلم، والعطف على يؤتكم والاضافة للاستغراق، والنفى لسلب العموم كما هو الأصل فى لفظ العموم بعد أداة السلب، نحو: لا أكرم الناس كلهم أى أكرم بعضه فقط، فالمعنى لا يسألكم أموالكم كلها، بل بعضها، وهو المقدار الواجب فى زكاة الذهب والفضة، ومال التجر، وزكاة الأنعام والثمار.
ويلتحق بذلك واجب الكفارات، وفداء المحرم بالحج أو العمرة ونحوه مما يجوز لصاحبه انفاذه بنفسه، أو المراد ذلك، ونفقة الغزو والضيف والعيال والقرابة واليتيم ونحو ذلك، وما ذكر وما تعقله العاقلة، وفى ذلك مقابلة لقوله تعالى: { يؤتكم أجوركم } أى يؤتكم أجوركم كلها لا بعضها، ويسألكم بعض أموالكم لا كلها، ويجوز أن يكون النفى لعموم السلب، أى لا يسألهم شيئا من أموالكم، بل كل ما سألكم فهو مال لله حق له تعالى فى أموالكم، وذلك الزكاة وما التحق بها.
وكذا هو لعموم السلب إذا قلنا: المعنى لا يسألكم أموالكم لحاجته عز وجل، بل لينفقها عليكم ويثيبكم عليها، أو قلنا المعنى لا يسألكم الرسول أموالكم لحاجته، أو لأجل تبليغه الوحى، قال الله عز وجل:
" { قل ما أسألكم عليه من أجر } " [ص: 86] والأول أولى، وفى الأخر تفكيك الضمائر، ولا يظهر عليه ولا على ما قبله تعليق نفى السؤال على الايمان والتقوى فى قوله عز وجل: { وإن تؤمنوا وتتقُوا } ويدل على أن ضمير يسأل لله عز وجل قراءة عن ابن عباس، نخرج أضغانكم بالنون { إنْ يَسْألكموها } المستتر لله أو لرسوله، والصحيح أنه الله سبحانه وتعالى، وكذا فى يجف ويخرج وها للأموال { فَيُحْفِكُم } يستأصلكم فى أموالكم، فلا يبقى لكم شىء، والإحفاء فى كل شىء بلوغ الغاية فى ازالته، والعطف على يسأل { تَبْخلُوا } عن ذلك الاحفاء، فلا تقبلوه، وعن اعطاء شىء ما بعده { ويُخْرج أضغانكم } أحقادكم لشدة حبكم المال، وقد علمت ان الضمير فى يخرج لله أو لرسوله، وأجيز أن يكون للاحفاء، أو للسؤال، أو للبخل، فان من لم يبخل بل رضى لا يخرج ضغنه، واسناد الاخراج الى البخل أو السؤال أو الاجفاء مجاز عقلى، ومن الاسناد الى السبب.