التفاسير

< >
عرض

هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم
٣٨
-محمد

تيسير التفسير

{ ها أنتم } ها حرف تنبيه دخلت على غير الاشارة لوقوع الاشارة بعده، وهى للتأكيد { هؤلاء } خبر انتم أو الخبر قوله تعالى: { تُدعَون } يدعوكم الله او رسوله { لتنفقوا في سَبيل الله } فينصب هؤلاء على التحضيض، أو هو منادى لمحذوف، والانفاق فى سبيل الله تعالى نفقة العيال والأقارب، والغزو والضيف، واليتيم، وليس المراد خصوص الغزو كما قيل، او الزكاة كما قيل، والجملة مستأنفة لتأكيد أن السؤال ليس لاحتياج الله حاشاه، أو ليتملك المال صلى الله عليه وسلم لنفسه، وتأكيد لقبح البخل، وعلى مذهب الكوفيين يجوز جعل الاشارة موصولا، فالجملة صلة، أى ها أنتم الذين تدعون لتنفقوا فى سبيل الله.
{ فَمنْكم مَن يَبْخل } عن الانفاق المأمور به { ومَن يَبْخل } عنه { فإنما يبخل عن نفسِه } يتجاوز عن خير نفسه، ويعرض عنه، ولا يخفى أن البخل صرف للخير عن نفسه، ويجوز أن يكون المعنى: البخل صادر عن نفسه الأمارة بالسوء، والتى هى منبع البخل، فلا ينبغى اتباعها { والله الغنيُّ } حصر للغنى فى حق الله عز وجل، ولو ملك مخلوق الدنيا كلها والسموات، لكان اشد احياجا لكثرة ما يحتاج الى ابقائه، والى مزيد الشكر، وانما كان له ذلك من الله، وهو محتاج الى ابقاء ذاته ومنافعها كالابصار والسمع { وأنْتُم الفُقراء } حصر للفقر فيهم اضافى بالنسبة الى الله تعالى لأن غيرهم من سائر الناس والمخلوقات كلها فقيرة الى الله تعالى فى ايجادها وابقائها، ومصالحها، ومنها منافع الانفاق فإنه يحصل به ثواب لا يحصل بغيره لحكمة الله تعالى، فان امتثلتم نلتم ذلك.
{ وإن تَتولَّوا } عن الامتثال والعطف على أن تؤمنوا { يسْتَبدل قوماً غيركُم } كقوله تعالى:
" { ويأت بخلق جديد } "[إبراهيم: 19] أى قوما يمتثلون كما قال الله تعالى: { ثم لا يكُونُوا } أى هذا القوم المستبدل منكم { أمثالكم } فى التولى عن الامتثال، بل يرغبون فيه بالايمان والتقوى، وثم للتراخى فى الزمان او الرتبة أو فيهما، على جواز استعمال اللفظ فى معنيين، ووجه تراخى الزمان أنه روى عبد الرزاق والطبرى، والطبرانى والبيهقى، والترمذى، عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا: { وإن تتولوا } الخ فقالوا: "يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا، ثم لا يكونوا أمثالنا، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان ثم قال: هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لناوله رجال من فارس" ويروى من ابناء فارس، ويروى هذا وذووه.
وروى ابن مردويه، عن جابر: لو كان الدين بدل لو كان الايمان فان القوم هم: عبد الرحمن بن رستم الفارسى الاما الذى ملك من الاسكندرية الى طنجة، وأجراهم على كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبينه وبين الآية زمان مديد، كثرت الفرق والاختلاط فى الدين، وذلك تول، فجاء الله الرحمن الرحيم به، ولم تعرف طائفة من فارس قامت بذلك، وان كان فأفراد فيه علمنا أن الشرط واقع، وهب أنه غير واقع، ولم يكن استبدال كما قال الكلبى، لم يتولوا فلم يستبدل تعالى قوما غيرهم، لكن لنا ذلك الامام الصادق، مع أن من عرف اختلاف الأمة اختلافا باطلا الا من عصمه الله تعالى، جزم بأنها استبدلت، لكن لا بالارتداد، بل باعتقاد الباطل كالرؤية، وكون صفاته تعالى غيره، وخلق الفاعل فعله ونحو ذلك من الأباطيل الاعتقادية وبالحكم بالجور وسائر البدع.
وقيل: القوم الأنصار، وقيل: أهل اليمن، وقيل كندة والنخع، وقيل: مسلمون من العجم، وقيل: مسلمون من الروم، ويبعد ما قيل: انهم الملائكة، فانه لم يشهر اطلاق القوم عليهم، وأن المتبادر الاستخلاف من جنس المخاطبين، وأنه ظهور فى الأرض، والخطاب لقريش أو لأهل المدنية أو للمخاطبين قبل، والله أعلم.