التفاسير

< >
عرض

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً
١
-الفتح

تيسير التفسير

هذا الفتح هو صلح الحديبية عند الجمهور، وهو قول ابن عباس وأنس، أخبر الله تعالى به مؤكدا بأن، وبأنه فتح مبين، أى ظاهرا او مظهرا للحق لوجوه منها: أن بعض الصحابة قال: والله ما هذا بفتح، صددنا نحن وهَديُنا عن البيت، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة رجلين مسلمين هجرا منها حين أقام بالحديبية كارها، فقال صلى الله عليه وسلم: "بل أعظم الفتح رأى المشركون منهم ما كرهوا، وأذعنوا للصلح، ورغبوا في الأمان إليكم، أنسيتم يوم أحد { إذْ تصعدون ولا تلوون } الآية أنسيتم يوم الأحزاب: { إذْ جاءوكم من فوقكم } الآية" فقال المسلمون: صدق الله ورسوله هو أعظم الفتوح، والله يا رسول الله، ما فكرنا فيما قلت، ولأنت أعلم بالله وبالأمور منا.
ومنها: أنه تعالى أخبر به امتناناً.
ومنها: أن بعض الصحابة وغيرهم بعد لم يحضر الفتح، ففى هذا اخبار لهم.
ومنها: أن الحاضرين فى الحديبية علموا الصلح ولم يعلموا أنه فتح، أو علموا انه فتح، ولم يعملوا عظم شأنه، فأخبرهم الله تعالى بعظم شأنه، ألا ترى الى ضمير العظمة.
ومنها: أنه تعالى أخبر بذلك ليبدلهم على أنه للمغفرة، واتمام النعمة، والنصر العزيز المذكور بعد، ولا يصح ما قيل انه لازم الفائدة كقولك: قام زيد، ليعلم سامعك أنك عالم بقيامه.
وسمى الصلح فتحا لاشتراك الصلح والفتح فى الظهور، لأن المشركين ابتدءوا به وسألوه، وذلك ذل منهم، قال الكلبى: ما سألوا الصلح الا بعد أن ظهر المسلمون عليهم، وعن ابن عباس: رماهم المسلمون بالنبل والحجارة حتى أدخلوهم ديارهم، وأيضا سمى فتحا لأنه سبب لفتح مكة.
قال الزهرى: لم يكن فتح اعظم من صلح الحديبية، سمعوا كلام المسلمين، وتمكن الاسلام فى قلوبهم، وأسلم فى ثلاث سنين من يومها خلق كثير، قال مجمع بن حارثة الأنصارى: شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرفنا عنها اذا الناس يهزون الأباعر، فقال بعض: ما بال الناس؟ فقال: أوحى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجنا نرجف، فوجدنا النبى صلى الله عليه وسلم واقفاً على راحلته عند كراع العميم، فلما اجتمع الناس قرأ: "إنا فتحنا لك فتحا مُبينا" فقال عمر: اهو فتح يا رسول الله؟ قال:
"نعم والذي نفسي بيده" .
قال القرطبى: فتحو مكة بعشرة آلاف فى السنة الثالثة، وليس المراد فتح خيبر، لأنه ذكر بعد، ولا فتح مكة لذكره بقوله تعالى: " { لقد صدق الله رسوله الرؤيا } " [الفتح: 27] الخ وقيل فتح فارس والروم، وما يفتح بعده على أيدى الصحابة ومن بعدهم، كالمغرب الأدنى والأوسط والأقصى، إلا أنه ما دخل أندلس من الصحابة إلا واحد اسمه المنيذ، فالمضى لتحقق الوقوع، ومزيد التبشير، أو على ظاهره باعتبار ثبوته عند الله عز وجل فى الأزل، وفى اللوح، وهكذا كل مضى فى القرآن بحسب الامكان.
وقال مجاهد: انه فتح خيبر، وهى مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع، على ثمانية برد من المدينة الى جهة الشام، وفتحها على أيدى من حضر الحديبية وحدهم، بعد حصرها بضع عشرة ليلة، فى بقية المحرم سنة سبع، وقال مالك: آخر سنة ست، وعليه ابن حزم، وجمع بأنه فى آخرها، وأول سنة سبع، أو من قال سنة ست ابتدأ الحساب للسنة من شهر ربيع، وقيل هو فتح مكة، وان عيه الجمهور، وهو الفتح الأعظم الذى استبشر به أهل السماء، ودخل به الناس أفواجا فى دين الله، وكان بعشرة آلاف، وقيل باثنى عشر، ويجمع بأنه خرج لليلتين مضتا من رمضان بما دون الاثنى عشر، فتلاحق به ألفان فى الطريق، وحين أقام على حصارها، وفتحت لثلاث عشرة ليلة من رمضان، وقيل: فى عشر بقيت منه.
وفتحها صلح لقوله فى مر الظهران:
"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن" رواه أحمد، نادى بذلك أبو سفيان باذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما قال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" أخذت امرأة بشاربه أو امرأته فقالت: ما تغنى عنا دارك، فقال: لا تغرنكم هذه، وفى رواية زيادة: ومن أغلق بابه على نفسه فهو آمن" وذلك عند الشافعى.
وقيل: عنوة للتصريح بالأمر بالقتال، ووقوعه من خالد، وشهر أنه نهى عنه، ولام خالد فأجاب: بأنهم تعرضوا لى، وعنه صلى الله عليه وسلم:
" أحلت لي ساعة من نهار" ولا نسلم أن التأمين صلح، لأنه على خصوص، فهو دليل على العنوة على غير الخاص، وعدم القسمة عفو عنهم، وأقام بعد الفتح خمس عشرة ليلة، أو سبع عشرة أو ثمانى عشرة أو تسع عشرة روايات، ويروى أنه فتح مكة وغنم وأصابوا أضعاف ما أنفقوا، ولو بخلوا ما اصابوا ذلك ولم يهنوا، وهم الأعلون بفتح مكة، ولم يدعوا الى السَّلم، بل المشركون دعوا اليه، والله معهم، ويجوز تقدير الارادة أى انا أردنا لك الفتح فتحا مبينا، فيصدق بما استقبل أى أردنا لك فتح مكة بفتح الحديبية، وأخر المفعول المطلق مع أنه يتقدم اذا اجتمع مع غيره، لطريق الاهتمام بخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبشيره، ولأنه قطب رحا الفتح، ونصر الدين.
قال ابن عربى فى الفتوحات، وهو المسمى عن قومنا بالشيخ الأكبر ما نصه: ولقد كنت بفاس سنة احدى وتسعين وخمسمائة، وعساكر الموحدين قد عبرت الى أندلس لقتال العدو حين استفحل أمره على الاسلام، فلقيت رجلا من رجال الله، ولا أزكى على الله أحدا، وكان من أخص أودَّائى فقال: ما تقول فى هذا الجيش؟ هل يفتح له وينصر فى هذه السنة؟ فقلت: ما عندك؟ فقال: إن الله تعالى قد ذكره فى كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } عدد فتحا مبينا بحساب الجملة فوجدت الفتح سنة احدى وتسعين وخمسمائة، ثم جزت الى أندلس، وقد نصر الله تعالى جيش المسلمين، وفتح الله تعالى قلعة رباح والأركو وكركر، أو ما انضاف الى هذه القلاع من الولايات، هذا عاينته من الفتح ممن هذه صفته، فأخذت للفاء ثمانين، وللتاء أربعمائة، وللحاء ثمانية وللألف واحداً، وللميم أربعين، وللباء اثنين، وللياء عشرة، وللنون خمسين، وذلك احدى وتسعون وخمسمائة، وهى سنو الهجرة الى هذه السنة، فهذا من الفتح الالهى لهذا الشخص انتهى.