التفاسير

< >
عرض

وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
١٤
-الفتح

تيسير التفسير

{ ولله } وحده { مُلْك السَّماوات والأرض } يتصرف فيهما، فهو الذى له المغفرة والتعذيب { يغْفِر لمَن يَشاء } أن يغفر له { ويعذب من يَشاء } أن يعذبه، لا دخل لأحد فى الغفران أو التعذيب، كما أن له وحده ملك السماوات والأرض { وكان الله غفوراً رحيماً } لمن اقتضت الحكمة المغفرة والرحمة له، ممن آمن بالله ورسوله لا غيرهم، وذكر المغفرة بصيغة المبالغة، وذيَّلها بالرحمة كذلك، ولم يذكر معذبا، لأن رحمته سبقت غضبه، ما قال صلى الله عليه وسلم: "قال عز وجل جلاله: كتب ربكم على نفسه بيده - أي بتكوينه قبل أن يخلق الخلق - رحمتي سبقت غضبي" وهذا السبق ذاتى.
فالمغفرة والرحمة بحسب الذات، والتعذيب بالعرض، بمعنى أنه لا يتصور الا بالذنب، بخلاف الرحمة فتتصور بلا عمل كما فى الأطفال، وكما فى البلغ الجنونين من الطفولية، وكما لو يعصى انسان كعصيان ابليس فيموت تائبا فى آخر عمره، ولو كان عمره الدنيا لأدخله الجنة، الا أن هذا مقابل بأنه لو أطاعه تلك المدة مثلا ومات على معصية مصرا آخر عمره لأدخله النار، وليس المراد أن العقاب حدث لله سبحانه، وقد غفل عنه حين القضاء، ولا أول لقضائه الأزلى، ولقضائه بعد ذلك أول وهو كتبه فى اللوح، أو الاخبار به، وقيل: السبق بمعنى الكثرة، وكذا الغلبة فى رواية: "غلبت رحمتي غضبي" وان فسرنا الرحمة بالانعام، فالسبق بالوجود خارجا كما يخلق الانسان ويطعمه ويسقيه وينفعه بجوارحه، والآية ترجية للمخلفين على أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حاسمة لإطماعهم فى الاستغفار لهم تلويحا بأنهم ليسوا ممن يغفر له ويرحم ما لم يتوبوا، والمغفرة والرحمة مقيدتان بالتوبة فى الآى الأخر، فهى مقدرة حيث لم تذكر.