التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً
٢٤
-الفتح

تيسير التفسير

{ وهُو الذي كفَّ أيديهُم عَنْكم } أيدى أهل مكة عنكم، وهو شامل للأحابيش أو أيدى الناس المذكورين فى الآية قبل، على أنهم أهل مكة { وأيْديكُم عَنْهم } عطف معمولين على معمولى عامل واحد، وكأنه قيل: وكف أيديكم عنهم، وفى التعبير بكف التلويح بأنه رد بعضا عن بعض بأمر لطيف، ولو قال منع لكان ظاهرا فى الرد بأمر شديد، كقتل فى جانب، ونحو صاعقة فى جانب، أو قتل فيهما، أو التلويح بأنه رد بعضاً عن بعض بعد شروع فى قتال، والله أعلم.
{ ببطْن مكَّة } هو الحديبية، كما روى الطبرى عن قتادة، وذلك مبالغة فى قربها الى بطن مكة، كأنها بطن مكة، كزيد أسد، ولا سيما أنه قال بعض: ان بعضها من الحرم، وفى ذلك تأكيد لقوله صلى الله عليه وسلم:
"صلح الحديبية فتح" ورد على من قال من الصحابة: أى فتح وقد صدُّونا أيضا حلقوا فطارت شعورهم بالريح حتى وقعت فى الحرم.
{ مِن بَعْد أنْ أظْفَركم } صيركم ظافرين { عَليْهم } عدى الاظفار بعلى لتضمنه الاعلاء، والاظفار تخويف أهل مكة من المسلمين حتى طلبوا الصلح منهم بأن قالوا: ارجعوا الآن وأتوا من قابل، وأيضا روى أحمد وأبو داود، والترمذى ومسلم وغيرهم، عن أنس: أنه قبض صلى الله عليه وسلم على ثمانين رجلاً جاءوا من التنعيم ليغدروه، فعفا عنهم، وذلك كف للأيدى بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم، لم يقتلوه ولم يقتلهم بعد الاظفار عليهم، وأن الآية فيهم، وأيضا قال عبد لله بن معقل: كنا تحت الشجرة، فخرج علينا ثلاثون شابا فثاروا علينا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله سمعهم، وروى أبصارهم، فأخذناهم، فقال صلى الله عليه وسلم:
"هل جئتم في عهد أحد أو أخذتم أماناً من أحد؟" قالوا: لا، فخلاهم، وفيهم نزلت رواه الحاكم والنسائى وغيرهم.
وأيضا قال سلمة بن الأكوع: لما اصطلحنا، اختلط المشركون بنا، واضطجعت فى ظل شجرة، وجاء مشركون أربعة يشتمون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحولت الى أخرى لبغضى لهم على ما سمعت منهم، ونادى منادٍ: ما للمهاجرين قيل ابن زنيم، فأخذت سلاح الأربعة، وقد علقوها على الشجرة الأولى، واضطجعوا، وسللت سيفى فقلت: والذى كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لئن رفع أحدكم رأسه لأقتلنَّه، فسقتهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عمى عامر بمشرك يسمى مكرزا، ووقفنا عليه صلى الله عليه وسلم بسبعين رجلاً من المشركين، فنظر اليهم فقال:
"أطلقوهم يكونوا عليهم بدء الفجور" وفيهم نزلت الآية رواه أحمد وغيره، وأخرج الطبرى عن ابن أبزى: لما انتهى الى ذى الحليفة صلى الله عليه وسلم، قال عمى: يا رسول الله تدخل على قوم لك حرب بلا سلاح ولا كراع، فبعث الى المدينة فما بقى فيها سلاح ولا كراع الا جىء به اليه، وقيل هذا الفتح يوم فتح مكة، والصحيح الأول.
{ وكان الله بمَا تعْمَلون } كله ومنه العفو بعد الظفر { بصيراً } فجازيكم.