التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ
١٥
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١٦
-الحجرات

تيسير التفسير

{ إنَّما المؤمنُون الَّذين آمنُوا باللَّهِ ورسُوله ثمَّ لَم يرتابُوا } لم يعترهم شك كما يعترى من ضعف ايمانه، وذلك مقابل لمن آمن ثم ارتاب، ولمن ارتاب فى ايمانه من أول، وذلك تعريض بالأعراب، وثم للتراخى فى الزمان، أى طالت مدتهم فى الايمان ولم يعقبه ارتياب، أو لتراخى الرتبة فان رتبة انتفاء الارتياب أعظم من مطلق الايمان، لأن الأعمال بخواتمها، وعلى ما يصلحها فيكون كعطف جبريل على الملائكة، فقديم ايمانهم وحديثه كلاهما طرى جديد.
{ وجاهدوا بأمْوالهم وأنفُسهِم في سَبيلِ اللَّه } فى طاعته عز وجل على كثرة أنواعها ومشاقها كالحج والجهاد، والزكاة والصدقة، والصلاة الفريضة، والنفل، وقدم الأموال لحرص أكثر الناس عليها حتى أنهم يهلكون أنفسهم فى شأنها، كأنه تهون أنفسهم بالنظر الى المال، فذلك تدل لا ترق، ولأن الآية تعريض بالأعراب المذكورين الذين همتهم المال، ويجوز أن يكون قدم الأموال على سبيل الترقى، من حيث ان النفس لا بد أعز من المال عند الشدة، أو عند تناهى الأمر، ومعنى جاهدوا: أبلغوا جهدهم أى طاقتهم، فلا مفعول له أو معناه دافعوا فمفعوله محذوف، أى جاهدوا العدو والشيطان والنفس والهوى { وأولئك } الموصوفون بتلك الصفات { هُم الصادقون } فى دعوى الايمان، لا هؤلاء الأعراب ونحوهم، وحلف هؤلاء الأعراب أنهم صادقون فى دعوى الايمان، وهم كاذبون فى حلفهم، فقال الله تعالى فيهم:
{ قُل } لهؤلاء الأعراب { أتعلِّمون الله بدينِكم } أتخبرونه بدينكم، وهوانكم مؤمنون مخلصون فى زعمكم، يقال: علمت بكذا بالتخفيف وكسر اللام وباء الالصاق وهو لازم، أى اتصل ادراكى به، فاذا شدد كان له لفظ آخر منصوب كلفظ الجلالة فى الآية، وقيل: الباء لتضمن معنى الاحاطة أو الشعور بالاحساس، فيفيد مبالغة باجراء ذلك مجرى المحسوس، وفيه أن هذه المبالغ معتبرة بهم، لا به تعالى، بمعنى انهم جعلوا الله محيطا وحاسا بهم، ولا كبير فائدة فى ذلك، ومن أين لنا أن نعلم أنهم قصدوا هذه الاحاطة، أو الاحساس حاشى الله أن يصيره أحد على شىء، كالاحاطة وحشاه أن يوصف بالاحساس، وكيف يخبرونه بشىء مع أنه لا يجهل شيئا.
{ واللَّهُ يعْلَم ما في السَّماواتِ وما في الأرض } عبارة عن علم كل شىء ولو فى غيرهما، وحكمة التعبير بهما أنهم فى الأرض، وهو تعالى يعلم ما فيها، وذكر السماء لمناسبة ذكر الأرض، والجملة الكبرى حال من لفظ الجلالة فى قوله: { أتعلِّمون الله } وصرح بعموم عمله على الاطلاق فى قوله تعالى: { واللَّهُ بكلِّ شيءٍ عَليمٌ } فهو يعمل بما أخفيته من الكفر.