التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ
١
-المائدة

تيسير التفسير

{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * يَا أَيُّهَا الَّذيِنَ آمنُوا أَوْفُوا بالعُقُودِ } ما بين الخلق والخالق وما بين الخلق، وسواء فى ذلك ما وجب، وذلك كعقد النكاح والبيع والرهن والنذر والحلف، وما أّمر الله تعالى بفعله أو تركه والإِحرام بالحج والعمرة وما يستحب واجتناب المكروه، والأمر حقيقة فى الوجوب على الصحيح، فاستعماله فى الوجوب والندب من عموم المجاز كذلك، وأَصل العقد الجمع بين منفصلين عسر الانفصال أَو لم يعسر، وقيل: أَصله الربط ثم استعمل مجازاً فى العهد الموثق، وقيل: العقد فيه معنى الاستيثاق والشد ولا يكون إلا بين اثنين، والعهد قد ينفرد به واحد، ويرده قوله تعالى { { عقدتم الأيمان } [المائدة: 89]، فإن الحلف لا يلزم أن يكون بين اثنين { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ } تفصِيل للعقود، والبهيمة كل حى لا يميز ولو قملة أَو دودة، وقيل اسم لكل ذى أَربع من حيوان البحر والبر، من قولهم: استبهم الأَمر إِذا أشكل، وسميت لأَن أَمر كلامها وأَحوالها أبهم على غالب الخلق، ولأن الأَمر أبهم عليها ولا تدرك إلا بعض أُمور بظاهرها، وإضافة البهيمة للبيان إضافة عام لخاص، والأَنعام الذكر والأُنثى من الضأن والماعز والبقر والإِبل فهن ثمانية وأَلحق بهن الظباءِ وبقر الوحش ونحوهما مما يماثل الأَنعام فى الاجترار وعدم الأَنياب، ومن الطير التى لا مخلب لها، وذلك قياس وسنة ويجوز أَن يراد بالبهيمة غير الأَنعام من تلك الأَشياء، وأُضيفت إِلى الأَنعام، للشبه، ويؤيده أَنه لو أُريد بالبهيمة الأَنعام لقيل: أَحلت لكم الأَنعام، إِلا أَن يقال إِنه أُريد الأَنعام وذكر البهيمة لفائدة الإِجمال ثم التفصيل وهى أنه أَوقع فى النفس، وإِن قلنا البهائم ذوات القوائم الأَربع، خصت أَيضاً بالثمانية كما يدل عليه إِضافته للأَنعام للبيان، وعن ابن عباس وابن عمر وأَبى جعفر وأَبى عبدالله والشافعى أَن بهيمة الأَنعام هي الأَجنة تخرج من بطون الأَنعام وهى ميتة بعد ذكاة أَمهاتها المغنى عن ذكاتها. { إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } بعد فى هذه السورة إذا نزل وهو قوله: حرمت عليكم الميتة..إلخ. نزل قوله تعالى: " { اليوم أكملت لكم دينكم } " [المائدة: 3] فى عرفات عام حجة الوداع، وقرأَ صلى الله عليه وسلم فى خطبته، وقال: "أَيها الناس إن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا، فأَحلوا حلالها وحرموا حرامها" ، وإِنما خصها بتحليل حلالها وتحريم حرامها مع أن القرآن كله كذلك لمزيد الاعتناءِ بها كذكر أَربعة الأَشهر الحرم مع ذكر اثنى عشر شهراً، ولاختصاصها بثمانية عشر حكماً هى قوله: والمنخنقة إلى الأَزلام، وقوله: وما علمتم من الجوارح وطعام الذين أوتو الكتاب والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب وقوله: إذا قمتم إلى الصلاة، والسارق والسارقة، ولا تقتلوا الصيد، ما جعل الله من بحيرة، شهادة بينكم إذا حضر، ومعنى ما يتلى الحيوانات التى تذكر فالاستثناء متصل. { غَيْرَ } حال من الكاف لكم وهى مقدرة، والمراد إِنشاء نفى إِحلال الصيد فيكون من الإِنشاءِ بغير الجملة، أَو يقدر: كلوها غير محلى الصيد، أَى غير معتقدين بحله، وإِما أَن يجعل حالا من كاف لكم بدون التأويل بالإنشاءِ السابق فيشكل بأَنه لا فائدة فى تقييد إِحلال بهيمة الأَنعام بكونهم غير محلى الصيد وهم حرم لأَنها محللة ولو أَحلوا الصيد حال الإحرام، والغالب أَنهم لا يحلون الصيد وهم حرم فيجوز أَن يكون حالا من كاف لكم بلا تأويل بِإِنشاءِ، وقيد عدم إِحلال الصيد جرى على الغالب لا مفهوم له، أَو أَريد ببهيمة الأَنعام الصيود الشبيهة بها، وهو ضعيف، أَو المعنى أَحللنا لكم بعض الأَنعام فى حالة امتناعكم عن الصيد وأَنتم حرم لئلا يكون عليكم حرج، وإِذا أحلت فى عدم الإحلال لغيرها وهم محرمون لدفع الحرج عنهم فكيف فى غير هذه الحال، فيكون بياناً لإنعام الله تعالى عليهم بما رخص لهم من ذلك، وبياناً لأَنهم فى غنى عن الصيد وانتهاك حرم الحرم، ويجوز أَن تكون حالا من واو أَوفوا ولا يضر الفصل. { مُحِلِّى الصَّيْدِ } معنى إِحلال الصيد انتهاك حرمته باصطياده فيشمل اعتقاده الحل وشمل الفعل مع اعتقاد الحرمة، والصيد الحيوان، ويجوز أَن يكون بمعنى الاصطياد وهو أَصله لأَنه مصدر. { وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } بالحج أو العمرة أَو كليهما، والواو للحال والمفرد حرم بمعنى محرم وصاحب الحال الضمير المستتر فى محلى. { إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُريدُ } يتقن ما يريد من تحليل وتحريم وغيرهما بحسب مشيئته ولتضمين يحكم معنى يتقن تعدى بنفسه لا بالباء، وهو أَولى من تضمين معنى يفعل.