التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ
١١٥
-المائدة

تيسير التفسير

{ قَالَ اللهُ إِنِّى مُنَزِّلُهَا } مرارا كما يدل عليه التشديد { عَلَيْكُمْ } إِجابة لدعائك وسؤالهم { فَمَنْ يَكْفُرْ } بى أَو بك أَو بصفة من صفاتى { بَعْدُ } بعد نزولها { مِنْكُمْ فإِنِّى أُعَذِّبُهُ عَذَاباً } اسم مصدر هو التعذيب مفعول مطلق لا مفعول به، لأَن عذب متعد لواحد وهو هاء أُعذبه { لاَ أُعَذِّبُهُ } هذه الهاء مفعول مطلق واقعة على عذاب بمعنى التعذيب، كقولك القيام قمته لا مفعول به والمفعول به هو قوله { أَحَداً مِنَ العَالَمِينَ } الخلق كلهم لأَنهم مسخوا قردة وخنازير ولم يعذب بذلك أَحد قبلهم ولا بعدهم، وقوم داود الصائدون فى السبت مسخوا قردة خاصة مع أَنهم ماضون والآية فى المستقبل، فالمراد لا أُعذبه بعدهم فإِنه قال لا أُعذبه ولم يقل لم أُعذبه، أَو المراد عالمو زمانهم، وقيل: مسخ قوم داود قردة وخنازير وأَصحاب المائدة خنازير فقط، وقيل المراد عذاب الآخرة، فعن ابن عمر أَشد الناس عذاباً يوم القيامة من كفر من أَصحاب المائدة، والمنافقون وآل فرعون، والمشهور ما ذكر من أَنها نزلت، وقيل عن مجاهد والحسن أَنه لما قال فمن يكفر إِلخ قالوا لا حاجة لنا بها، فلم تنزل والصحيح نزولها ولما نزلت جاء اليهود ينظرون فرأَوا ما غمهم وغاظهم فرجعوا، شرط عليهم أَلا يخونوا ولا يدخروا ففعلوا ما نهوا عنه فرفعت. روى أَنها نزلت سفرة حمراءَ بين غمامتين وهم ينظرون حتى سقطت بين أَيديهم فبكى عليه السلام وقال "اللهم اجعلنى من الشاكرين، اللهم اجعلها رحمة للعالمين، ولا تجعلها مثلة وعقوبة" ثم قام فتوضأَ وصلى وبكى ثم كشف المنديل وقال "باسم الله خير الرازقين" فإِذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسماً وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من أَنواع البقول ما خلا الكراث، وإِذا خمسة أَرغفة على واحد زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد، وقيل على واحد زيتون وعلى الآخر تمرات وعلى الآخر خمس رُمَّانَات، وقيل فيها سبعة أَرغفة وسبعة أَحوات، والفلوس ما يقشر منها والشوك عظامها الشبيهة بالشوك، فقال شمعون: يا روح الله أَمن طعام الدنيا أَو من طعام الآخرة؟ قال: ليس منهما ولكن اخترعه الله تعالى بقدرته، كلوا ما سأَلتم واشكروا يمددكم الله ويزدكم، الله من فضله، فقالوا: يا ريوح الله لو أَريتنا من هذه الآية آية أُخرى، فقال: يا سمكة احيى بإِذن الله، فاضطربت، ثم قال لها: عودى كما كنت، فعادت مشوية وأَكل من أكل من المائدة فى ذلك فطارت وقد شبعوا، ولم تنزل بعد. قال القرطبى: جاءَ في حديث سلمان أَن المائدة سفرات لا مائدة ذات قوائم، والسفرة مائدة النبى صلى الله عليه وسلم، وموائد العرب، ويقال الخوان ما ارتفع من الأَرض بقوائمه، والمائدة ما بسط على الأَرض من الثياب والمناديل، والسفرة من أَسفر عما فى جوفه، وعن الحسن الأَكل على الخوان فعل الملوك وعلى المنديل الأَعاجم وعلى السفر فعل العرب، والسفرة في الأَصل طعام يتخذه المسافر، والغالب حمله في جلد مستدير فنقل اسمه لذلك الجلد فسمى به، ولأَن للجلد المذكور مغاليق تنضم وتنفرج فللانفراج سميت سفرة، أَو عصوا بعد ما رفعت فمسخوا، وفيل كانت تأتيهم أربعين يوماً تأتي فى يوم ولا تأْتى فى يوم تجتمع عليها الفقراء والأَغنياء والصغار والكبار يأْكلون حتى إِذا فاءَ الفئ طارت وهم ينظرون فى ظلها ويقعد لها أَربعة آلاف ولا ينقص منها شئ ولا يأكل منها فقير إِلا غنى مدة عمره ولا مريض إِلا برئَ ولا يمرض أَبداً حتى أَوحى الله إِلى عيسى عليه السلام أَن اجعل مائدتى فى الفقراء دون الأَغنياء والأَصحاء فاضطربت الناس، فمسخ منهم ثلاثة وثمانين رجلا، وروى ثلثمائة وثمانون باتوا ليلتهم مع نسائهم ثم أصبحوا خنازير، ولما أَبصرت الخنازير عيسى بكت وجعلت تطيف به، وجعل يدعوهم بأَسمائهم ويشيرون برءُوسهم ولا يقدرون على الكلام فعاشوا ثلاثة أَيام، وماتوا، وقيل سبعة، وقيل أربعة، وقيل دعا الله عيسى أَن يقبض أَرواحهم فأَصبحوا لا يدرى هل الأَرض ابتلعتهم أَو ما الله فاعل بهم، وعن كعب: نزلت تطير بها الملائكة بين السماءَ والأَرض عليها كل الطعام إِلا اللحم، وعن قتادة عليها ثمر من ثمر الجنة وهو رواية عمار بن ياسر، وعن عطية العوفى: نزلت سمكة فيها طعم كل شئ، وذكروا أَنهم قالوا لعيسى عليه السلام: ابدأ الأَكل فقال معاذ الله إِنما يبدأ من طلبها، فقيل لما قال ذلك تحاصوها فدعا لها الفقراءَ والزمنى، فقال: ابدأُوا باسم الله واختموا بحمده سبحانه، وقيل: أَكل منها مرة واحدة أَلف إِنسان بين ذكر وأنثى وثلثمائة، وقيل كررت وتزاحم الناس فجعلت للفقراء والصبيان فكفر الأَغنياء بها، وقيل لما نزلت لم يكشف عليها عيسى بل قال: ليقم أَحسنكم عملا فيكشف عنها ويسم الله، ففعل شمعون وهو رئيس الحواريين، وقال الحسن ومجاهد: لما أَراد الله إِنزالها على شرط إِن لم يؤمنوا عذبوا استعفوا فلم تنزل، فمعنى أَنى منزلها أنزلها على قبول الشرط فلم يقبلوه، وأَخطأَ من قال: المائدة عبارة عن حقائق المعارف رغبوا في الوقوف عليها وشرط عليهم أَن يتقوا فيطلعهم عليها وأَن لا يضعفوا عن مقامها فيزلوا فيهلكوا.