التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ
٢٠
يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ
٢١
-المائدة

تيسير التفسير

{ وَإِذْ قَالَ مُوسى } اذكر وقت قول موسى حتى كأَنك حاضر له ومشاهد لما وقع فيه فتتسلى عما أَصابك من قومك من الإِيذاءِ والمخالفة وأَنذرهم كما أَنذر موسى قومه { لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذ جَعَلَ فِيكُمْ } لا إِليكم من غيركم أَو جعل منكم وإِذ متعلق بنعمة بمعنى إِنعام أَو بدل اشتمال إِذ الوقت من لوازم النعمة أَو الإِنعام { أَنْبِيَاءَ } كثيرة عظاما فالتنكير لذلك والمعنى أَنه قضى فيهم بأَنبياءَ كثيرة ستكون بعد موسى وقد مر أَنها أَلف وليس لغيرهم من كثرة الأَنبياءِ ما لهم إِلا أَن الأَنبياء كلهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن السائب الأَنبياء هنا السبعون الذين اختارهم موسى، أَو السبعون وموسى وهارون ويوسف فالماضى على حقيقته، وعلى أَن المراد بالأَنبياءِ من يأْتى فالماضى لتحقق الوقوع أَو بمعنى قضى بالجعل وعلى التأْويل بالقضاءِ يصلح أَن يراد من وجد ومن سيوجد { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } أَى أَصحاب خدم واحترام وأَعوان، وقال أَبو سعيد الخدرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان بنو إِسرائيل إِذا كان لأَحدهم خادم وامرأَة ودابة يكتب مالكا" وقال الضحاك: كانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية ومن كان هكذا فهو ملك، وقال السدى ملوكا أَحرارا بعد أَن استعبدهم فرعون أَو جعلهم كأَهل الجزية فينا، وروى أَن رجلا قال لعبد الله بن عمرو: أَلسنا من فقراء المهاجرين، فقال: أَلك امرأَة تأوى إِليها؟ قال: نعم. قال: أَلك مسكن تسكنه؟ قال: نعم. قال: فأَنت من الأَغنياءِ. قال: فإِن لى خادما، قال: فأَنت من الملوك، ويقال: من لا يحتاج فى نفسه ومعيشته ومصالحه إِلى أَحد فهو ملك، ويقال إِنه لم يكن قبل بنى إِسرائيل ملك العبيد والإِماءِ لأَحد، أَو المراد بالملوك ظاهره فيراد كثرة الملوك فيهم واحدا بعد واحد ويتعدد وهم ملوك الطوائف، وكذا قيل لما كثرت الملوك منهم، قيل أَو فيهم، صاروا كأَنهم كلهم ملوك للشبه فى الترفه والتوسع بخلاف النبوة فإِنها أَمر إِلهى لا يسلك فيها أَحد مسلك نبى فلم تسند إِليهم { وَآتَاكُم مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدا مِنَ الْعَالَمِينَ } أَى قبلكم ولا فى زمانكم، لأَن لم للماضى فلم يدخل من بعدهم فضلا عن أَن يحترز عنهم، والواقع أَنه ليس لمن قبل ولا بعد. وإِن فسرنا ما لم يؤت إِلخ.. بما لم يكتب لأَحد عم الأَزمنة كلها وذلك كفلق البحر وملك مصر وإِغراق العدو ونجاتهم وهم ينظرون وعصا موسى وغير ذلك مما لهم أَو لسيدنا موسى عليه السلام، فإِن ما يكون له هو لهم ونص الله عز وجل على فضل هذه الأُمة على بنى إِسرائيل وغيرهم بقوله: كنتم خير أُمة إِلخ وما ذاك إِلا لكون نبيها أَفضل الأُمم، وأَيضاً المراد عالمو زمانهم أَو هم أَفضل من هذه الأُمة بما ذكر لهم وهذه الأُمة فضلت بنبيها وسائر خصائصها، وكون الأُمم قبلها وأَنبيائهم نوابا عن هذه الأُمة ونبيها صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل المن والسلوى وعيون الحجر وتظليل الغمام فى الآية لأَنها فى التيه بعد تذكيره لهم إذ أَمرهم بدخول الأَرض المقدسة فعصوه فعوقبوا بالتيه كما قال:
{ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللهُ لَكُمْ } أَن تدخلوها وأَن تسكنوها على شرط أَن تقاتلوا الجبارين فيها، ففى اللوح المحفوظ إِن قاتلتموهم سكنتموها كما كتب للأَشقياءِ منازل فى الجنة لو آمنوا واتقوا وللسعداءِ منازل فى النار لو كفروا، أَو المراد كتبها فى اللوح المحفوظ والقضاءِ بها أَو تقديرها لمن يخلفكم من بنى إِسرائيل من أَولادكم وغيرهم، أَو هى لكم ولو لم تدخلوها كمن له دار منع من دخولها أَلا ترى إِلى قوله فإِنها محرمة وأَل فى الأَرض للعهد الذهنى وهى أَرض بيت المقدس لأَنهم يطلبونها لكونها أَرض أَنبياء بنى إِسرائيل ولسعة نعمها وطيب هوائها، ولأَنهم أمروا قبل الأمر بدخولها، وتقديسها تطهيرها بإِسكان الأَنبياءِ والمؤمنين من بنى إِسرائيل فسميت مقدسة لأَن سكانها مقدسون من الشرك والمعاصى، أَو لطهارتها منهما وذلك فى الجملة أَو أَكثرى لا فى كل فرد وكل زمان، أَو قدست من الآفات، والأَرض المقدسة قرية بيت المقدس وما يليها كان أَريحاءَ وقيل الطور وما حوله وقيل أَريحاء وفلسطين وبعض الأردن وقيل دمشق وقيل الشام كله، وعن الكلبى أَن إِبراهيم صعد جبل لبنان فقال الله سبحانه وتعالى انظر فيما أَدركه بصرك فهو مقدس ميراث لأَولادك { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُم } عن دينكم بالاعتقاد وبالعصيان، أَو بالعصيان، ودخل فى ذلك عدم الوثوق بالله وأَن يرجعوا إِلى ورائهم خوفا من الجبارين وذلك استعارة تمثيلية، وقيل الأَدبار ما وراءَهم من الأَماكن من مصر وغيرها وعلى متعلق بحال محذوف أَى منقلبين على أَدباركم، دخل النقباء أَرض الجبارين من الشام ومكثوا فيها أَربعين يوما يتجسسون فرأَوا أَجساماً أَربعمائة ذراع وأَجساماً ثمانين ذراعا وغير ذلك وعوقبوا بأَربعين عاما فى التيه كما أَقاموا أَربعين يوما فى أَرض الجبارين وأَخذ موسى عليه السلام ميثاقا عليهم أَن لا يذكروا عظم أَجسامهم للناس لئلا يفشلوا فنقضوا إِلا يوشع بن نون وكالب بن يوقنا لم يذكروا، وقالا: إِنها أَرض نعمة وقلوب أَهلها ضعاف فيها جبن، ولما سمع الناس عظم أَجسامهم بكوا وقالوا ليتنا متنا بمصر، تعالوا نجعل علينا رأَسا ينصرف بنا إِلى مصر، وقالوا: لن ندخلها أَبدا ما داموا فيها الآية، وماتوا فى التيه وعوقب النقباءُ العشرة بموت سريع فى التيه ولم يخرج من التيه إِلا أَولاد هؤلاءِ العصاة ويوشع وكالب، ويروى أَن موسى مات فى التيه، ويروى أَنه خرج مع يوشع وفتحوا بلد الجبارين. { فَتَنْقَلِبُوا } أَى تصيروا أَو ترتدوا ارتداد خسارة، كقولك لا ترجع يكن رجوعا قبيحا والعطف على ترتدوا كأَنه قيل لا ترتدوا فلا تنقلبوا أَو نصب فى جواب النهى أَى لا يكن ارتدادكم فانقلابكم كقولك لا تكفر فتدخل النار بالنصب أَجازه الكسائى ومنعه ابن مالك { خَاسِرِينَ } الجنة والاستيلاءَ على بلادكم وذلك خسران الدنيا والدين والآخرة.